لأن الله سبحانه وتعالى، علم منهم أنهم يصرون على كفرهم والواو (١) في قوله: ﴿وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ للعطف على ظلموا، أو الجملة اعتراضية لاعتراضها بين أهلكنا وبين قوله الآتي:
١٤ - ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ﴾ واللام لتأكيد النفي يعني: أن السبب في إهلاكهم، تكذيبهم للرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم، بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل؛ أي: ولقد أهلكنا كثيرًا من الأمم الماضية من قبل زمانكم، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط، حين ظلموا بالتكذيب لرسلهم، والحال أنه قد جاءتهم رسلهم بالبينات، الدالة على صدقهم، وما كانوا ليؤمنوا؛ أي: وما كان من شأنهم، ولا من مقتضى استعدادهم أن يؤمنوا؛ لأنهم قد مرنوا على الكفر، وصار ديدنهم حب الشهوات واللذات، من الجاه والرياسة والظلم والفسق والفجور.
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾؛ أي: نجزي القوم المجرمين، بالإشراك والتكذيب لك يا محمَّد، جزاءً مثل الجزاء الذي جزيناه الأمم الماضية، وهو العذاب الشديد بالاستئصال إن لم يؤمنوا بك. وقرأت فرقة: ﴿يجزي﴾ بالياء؛ أي؛ يجزى الله، وهو التفات ذكره أبو حيان. وفي هذا وعيد شديد لأهل مكة، على تكذيبهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
وإهلاك الله تعالى للأمم، بالظلم ضربان:
١ - ضرب بعذاب الاستئصال، للأقوام الذين بعث الله تعالى فيهم رسلًا لهدايتهم، بالإيمان والعمل الصالح، كقوم نوح فعاندوا الرسل، فأنذروهم عاقبة الجحود والعناد بعد مجيئهم بالآيات الدالة على صدقهم.
٢ - ضرب بعذاب، هو مقتضى سنته تعالى، في نظم الاجتماع البشري، فالظلم مثلًا سبب لفساد العمران، وضعف الأمم، ولاستيلاء القوية على الضعيفة كما قال: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ وهو إما ظلم الأفراد لأنفسهم، بالفسوق والإسراف، في الشهوات المضعفة