كَيْفَ تَعْمَلُونَ}؛ أي: لنرى ماذا تعملون في خلافتكم، فنجازيكم به بمقتضى سنتنا فيمن قبلكم كما قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله، - ﷺ -، قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء". أخرجه مسلم، وقوله: فاتقوا الدنيا، معناه: احذروا فتنة الدنيا، واحذروا فتنة النساء.
وقال قتادة: صدق الله ربنا، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيرًا بالليل، أو النهار. وفي هذا إيماء، إلى أن هذه الخلافة، منوطة بالأعمال، حتى لا يغتروا بما سينالونه، ويظنوا أنه باقٍ لهم، وأنهم يتفلتون من سننه تعالى في الظالمين.
١٥ - ثم حكى (١) الله سبحانه نوعًا ثالثًا من تعنتهم وتلاعبهم بآيات الله تعالى فقال: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، إعراضًا عنهم، والمراد بالآيات آيات القرآن الكريم؛ أي: وإذا تلا التالي عليهم آياتنا، الدالة على إثبات التوحيد، وإبطال الشرك، حالة كونها بينات؛ أي: واضحات الدلالة على المطلوب ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ﴾ ولا يخافون ﴿لقاءنا﴾ يوم القيامة بالبعث، وهم المنكرون للمعاد؛ أي: قالوا: لمن يتلوه عليهم - وهو محمَّد، - ﷺ -، حين سمعوا ما يغيظهم فيما تلاه عليهم، من القرآن، من ذم عبادة الأوثان، والوعيد الشديد لمن عبدها: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾؛ أي: بدل ما فيه مما نكره كسبِّ آلهتنا، وذكر البعث، وليس طلبهم تبديل جميعه؛ أي: طلبوا منه أحد أمرين: إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن، مع بقاء هذا القرآن على حاله، وإما تبديل هذا القرآن، بنسخ بعض آياته، أو كلها، ووضع أخرى مكانها، مما يطابق هواهم ويلائم غرضهم. والمعنى: ائت بقرآن غير هذا، مع بقاء هذا القرآن، أو بدله؛ أي: أزله بالكلية، وائت ببدله، فيكون المطلوب أحد أمرين، إما إزالته بالكلية وهو التبديل في الذات، أو الإتيان بغيره مع بقائه، فيحصل