مشيئته، ولو شاء الله أن لا يعلمكم به، بإرسالي إليكم، لما أرسلني، ولما أدراكم به، ولكنه شاء أن يمن عليكم بهذا العلم النافع، لتهتدوا به، وتكونوا بهدايته خلائف في الأرض، وهذا لن يكون بكتاب آخر كما قال: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. فهو قد أنزله عالمًا بأن فيه كل ما يحتاج إليه البشر، من الهداية وأسباب السعادة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ فـ ﴿لا﴾ مؤكدة وموضحة، بأن الفعل منفي، لكونه معطوفًا على منفي من أدراه، يدريه، بمعنى: أعلمه يعلمه. وقرأ ابن كثير وقنبل والبزيّ ﴿ولأدراكم﴾ بلام دخلت على فعل مثبت، معطوف على منفي، والمعنى: ولأعلمكم به من غير طريقي، وعلى لسان غيري، ولكنه يمن على من يشاء من عباده، فخصني بهذه الكرامة، ورآني لها أهلًا دون الناس. وقرأ ابن عباس وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وابن أبي عبلة وشيبة بن نصاح: ﴿ولا أدرأتكم﴾ بهمزة ساكنة، وتاء بعدها، ثم كاف؛ أي: ولا أجعلكم بتلاوته عليكم خصماء، تدرؤونني بالجدال، وتكذبونني، من الدرء، بمعنى: الدفع يقال: درأته دفعته، كما قال تعالى؛ ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ ودرأته، جعلته دارئًا؛ أي: خصمًا. وقرأ شهر بن حوشب والأعمش ﴿ولا أنذرتكم به﴾ بالنون، والذال من الإنذار، وكذا هي في مصحف ابن مسعود. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: ﴿ولا أدريكم﴾ بالإمالة.
وقوله: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ تعليل لكون ذلك بمشيئة الله تعالى، ولم يكن من النبي، - ﷺ - إلا التبليغ، أي: فقد مكثت بين ظهرانيكم عمرًا طويلًا، وهو أربعون سنة، من قبل تلاوة هذا القرآن عليكم، لم أقل عليكم سورةً من مثله. ولا آية تشبه آياته، لا في العلم والهداية، ولا في البيان والبراعة، تعرفونني بالصدق والأمانة، ولست ممن يقرأ ولا ممن يكتب. والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ للتقريع (٢) والتوبيخ داخلة على محذوف، تقديره: أعميتم عن الحق

(١) البحر المحيط وزاد المسير وغيرهما.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon