فلا تعقلون؛ أي: فلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي، لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدة الطويلة، بالصدق والأمانة مني، وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل، وتعلمي لما عند أهلها من العلم، ولا طلبي لشيء من هذا الشأن، ولا حرصي عليه، ثم جئت بهذا الكتاب، الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه، وقصرتم عن معارضته، وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة، المعترف لهم، بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم؛ أي (١): أفلا تعقلون أن من عاش أربعين سنة، لم يقرأ كتابًا، ولم يلقن من أحد علمًا، ولم يتقلد دينًا ولم يمارس أساليب البيان، وأفانين الكلام، من شعر ونثر وخطابة وفخر وعلم وحكمة، لا يمكنه أن يأتي بمثل هذا القرآن المعجز لكم ولجميع الدارسين لكتب الأديان، فكيف تقترحون علي، أن آتي بقرآن غيره؟ وقد كان أكثر أنبياء بني إسرائيل، قبل نبوتهم على شيء من العلم، كما قال تعالى في موسى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ وقال في يحيى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.
والخلاصة (٢): أن كفار مكة، شاهدوا رسول الله - ﷺ - قبل مبعثه، وعلموا أحواله، وأنه كان أميًّا لم يقرأ كتابا، ولا تعلم من أحد، وذلك مدة أربعين سنة، ثم بعدها جاءكم بكتاب عظيم الشأن، مشتمل على نفائس العلوم والأحكام والآداب ومكارم الأخلاق، فكل من له عقل عليم، وفهم ثابت، يعلم أن هذا القرآن من عند الله تعالى، لا من عند نفسه.
وقرأ الحسن والأعمش (٣): ﴿عمرا﴾ بضم العين وسكون الميم. قال أبو عبيدة وفي العمر ثلاث لغات، عمر، بضم فسكون، وعمر بضمتين، وعمر بفتح فسكون.

(١) المراغي.
(٢) الصاوي.
(٣) زاد المسير.


الصفحة التالية
Icon