ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد في الجواب: ﴿إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ﴾؛ أي: إن نزول الآية غيب والله هو المختص بعلمه المستأثر به، لا علم لي ولا لكم، ولا لسائر مخلوقاته، فإن كان قدر إنزال آية عليّ.. فهو يعلم وقتها وينزلها فيه، ولا أعلم إلا ما أوحاه إليّ ﴿فَانْتَظِرُوا﴾ نزول ما اقترحتموه من الآيات ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ لنزولها. وقيل المعنى: انتظروا قضاء الله بيني وبينكم، بإظهار الحق على الباطل، أو انتظروا لما يفعل الله بكم، لاجترائكم على جحود الآيات القرآنية واقتراح غيرها. والآية بمعنى قوله: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)﴾. وقد جاء تفسير ما ينتظر وينتظرونه في قوله في آخر هذه السورة: ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢)﴾. وفي الآية الإنذار بما سيحل بهم من العذاب، بخذلانهم ونصر الرسل عليهم في الدنيا، وما وراءها من عذاب الآخرة.
٢١ - ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ﴾؛ أي: وإذا أعطينا ورزقنا كفار مكة ﴿رَحْمَةً﴾؛ أي: نعمة وخصبًا ورخاء وسعة العيش ﴿مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ﴾؛ أي: من بعد فقر وقحط وشدة وبلاء، وضيق أصابهم، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حبس عنهم المطر سبع سنين، حتى هلكوا من الجوع والقحط، ثم إن الله سبحانه وتعالى رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير، حتى أخصبت البلاد، وعاش الناس بعد ذلك الضر، فلم يتعظوا بذلك، بل رجعوا إلى الفساد والكفر والمكر، وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ﴾ وتدبير ﴿في﴾ إبطال ﴿آيَاتِنَا﴾ القرآنية والكونية واستهزاء وتكذيب لها، وإذا الأولى شرطية، وجوابها ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ﴾ وهي فجائية، يستفاد منها السرعة؛ لأن المعنى: أنهم فاجؤوا المكر وسارعوا فيه؛ أي: أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة.
والمعنى (١): وإذا رزقنا المشركين بالله فرجًا بعد كرب، ورخاء بعد شدة أصابتهم، بادروا إلى المكر وأسرعوا بالمفاجأة به في مقام الشكر، فإذا كانت