الرحمة مطرًا أحيا الأرض، وأنبت الزرع، ودر به اللبن بعد جدب وقحط أهلك الحرث والنسل، نسبوا ذلك إلى الكواكب أو الأصنام، وإذا كانت نجاة من هلكة وأعوزهم معرفة عللها وأسبابها، عللوها بالمصادفات، وإذا كان سببها دعاء نبي أنكروا إكرام الله له وتأييده بها، كما فعل فرعون وقومه عقب آيات موسى، وكما فعل مشركو مكة إثر القحط الذي أصابهم بدعاء رسول الله - ﷺ -، ثم رفع عنهم بدعائه، عليه الصلاة والسلام، فما زادهم ذلك إلا كفرًا وجحودًا.
روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن قريشًا، لما استعصوا على رسول الله - ﷺ -، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام والميت، من الجهد، وحتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان، من الجوع، فأنزل الله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١)﴾ فجاء أبو سفيان، إلى رسول الله، - ﷺ -، فقال: يا محمَّد، إنك جئت تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فدعا لهم، فكشف الله عنهم العذاب، ومطروا، فعادوا إلى حالهم ومكرهم الأول، يطعنون في آيات الله تعالى، ويعادون رسوله - ﷺ -، ويكذبونه.
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿الِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَسْرَعُ﴾ وأعجل منكم ﴿مَكْرًا﴾؛ أي: (١) عقوبة على مكركم، وأشد أخذًا، وأقدر على الجزاء، وأن عذابه في هلاككم أسرع إليكم مما يقع منكم في دفع الحق؛ أي: إن هؤلاء (٢) الكفار لما قابلوا نعمة الله بالمكر، فالله تعالى قابل مكرهم بمكر أشد من ذلك، وهو إهلاكهم يوم بدر، وحصول الفضيحة والخزي في الدنيا، وعذاب شديد يوم القيامة. ومعنى الوصف بالأسرعية: أنه تعالى، قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم، والمكر من الله، إما الاستدراج، أو الجزاء على المكر، أي: إخفاء

(١) الخازن.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon