الكيد. وتسمية (١) عقوبة الله مكرًا، من باب المشاكلة، كما قرر في مواطن من عبارات الكتاب العزيز.
والخلاصة: أي قل لهم: إنَّ الله أسرع منكم مكرًا، فهو قد دبر عقابكم، وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون، في إطفاء نور الإِسلام، وقد سبق في تدبيره لأمور العالم، وتقديره للجزاء على الأعمال قبل وقوعها أن يعاقبكم على مكركم في الدنيا قبل الآخرة، وهو عليم بما تفعلون، لا تخفى عليه خافية.
﴿إِنَّ رُسُلَنَا﴾ الحفظة الذين يحفظون أعمالكم، ووكلهم الله تعالى بإحصاء أعمال الناس، وكتبها للحساب والمجازاة عليها في الآخرة ﴿يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ به أو يكتبون مكركم، ويعرض عليكم يوم القيامة ما في بواطنكم الخبيثة. وفي ذلك تنبيه، إلى أن ما دبروا، ليس بخاف عليه تعالى، وإلى أن انتقامه حاصل واقع بهم لا محالة، وفيه وعيد لهم شديد، وهذه الجملة تعليلية للجملة التي قبلها، فإن مكرهم إذا كان ظاهرًا لا يخفى، فعقوبة الله كائنة لا محالة. والمعنى: إن رسل الله، وهم الملائكة، يكتبون مكر الكفار، لا يخفى ذلك على الملائكة الذين هم الحفظة، فكيف يخفى على العليم الخبير؟.
وقرأ الحسن (٢)، وابن أبي إسحاق وأبو عمرو ﴿رسلنا﴾ بالتخفيف. وقرأ الحسن وقتادة ومجاهد والأعرج، ورويت عن نافع ويعقوب في رواية، وأبو عمرو في رواية ﴿يمكرون﴾ بالتحتية على الغيبة، جريًا على ما سبق. وقرأ أبو رجاء وشيبة وأبو جعفر وابن أبي إسحاق وعيسى وطلحة والأعمش والجحدري وأيوب بن المتوكل وابن محيصن وشبل وأهل مكة والسبعة: ﴿تمكرون﴾ بالتاء الفوقية على الخطاب مبالغة لهم في الإعلام بحال مكرهم، والتفاتًا لقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾؛ أي: قل لهم، فناسب الخطاب. وفي قوله: ﴿إِنَّ رُسُلَنَا﴾ التفات أيضًا إذ لم يأت إن رسله. وقال أيوب بن المتوكل في مصحف أبي {يا أيها الناس إن الله

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon