وفي قوله: ﴿فيَ الْبَحْرِ﴾ (١) دلالة على جواز ركوب البحر، ولما كان الخوف في البحر أغلب على الإنسان منه في البر، وقع به المثال لذلك المعنى الكلي به، من التجاء العبد لربه تعالى حالة الشدة، والإهمال لجانبه حالة الرخاء.
وفي قوله: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ التفات (٢) عن الخطاب في قوله، كنتم إلى الغيبة، وحكمة الالتفات هنا، هي أن قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ خطاب فيه امتنان، وإظهار نعمة المخاطبين، والمسيرون في البر والبحر مؤمنون وكفار، والخطاب شامل، فحسن خطابهم بذلك ليستديم الصالح الشكر، ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة. ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض، عدل عن خطابهم بذلك إلى الغيبة، لئلا يخاطب المؤمنون بما لا يليق صدوره منهم، وهو البغي بغير الحق. اهـ.
﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ﴾ أيها المسيرون ﴿فِي الْفُلْكِ﴾ والسفن ﴿وَجَرَيْنَ﴾؛ أي: السفن ملتبسة ﴿بِهِمْ﴾؛ أي: بالذين فيها، ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة كما مر ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾؛ أي: لينة الهبوب إلى جهة المقصد ﴿وَفَرِحُوا بِهَا﴾؛ أي: بتلك الريح اللينة فرحًا تامًّا وقوله: ﴿جَاءَتْهَا﴾ جواب إذا، كما مر؛ أي: جاءت تلك الريح اللينة الطيبة وتلقتها ﴿رِيحٌ عَاصِفٌ﴾؛ أي: شديدة الهبوب أزعجت سفينتهم، أو المعنى: جاءت الفلك ريح عاصف، والعصوف: شدة هبوب الريح ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ﴾ العظيم الذي أرجف قلوبهم، ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾؛ أي: من كل ناحية؛ أي: جاء الراكبين فيها الموج من جميع الجوانب للفلك. والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾؛ أي: أحاط بهم الهلاك؛ أي: ظنوا القرب من الهلاك؛ أي: غلب على ظنونهم الهلاك، وأصله من إحاطة العدو بقوم، أو ببلد، فجعل هذه الإحاطة مثلًا في الهلاك، وإن كان بغير العدو كما هنا. وقوله: ﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى، بدل من ظنوا، كما مر لكون هذا الدعاء الواقع، إنما كان عند ظن الهلاك، وهو الباعث عليه، فكان بدلًا منه بدل

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon