اشتمال، لاشتماله عليه، ويمكن أن تكون جملة دعوا مستأنفة، كأنه قيل: ماذا صنعوا، فقيل: ﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ كما مر ذلك كله آنفًا، حالة كونهم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الدِّينَ﴾؛ أي: الدعاء من غير أن يشركوا معه تعالى شيئًا، من آلهتهم؛ أي (١): وهم مقرون بوحدانية الله تعالى وربوبيته، لأجل علمهم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله تعالى، فيكون إيمانهم جاريًا مجرى الإيمان الاضطراري، قائلين والله ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا﴾ وخلصتنا يا إلهنا ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ الشدائد التي نحن فيها، وهي الريح العاصفة، والأمواج المتلاطمة والله ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ للنعم التي أنعمت بها علينا، التي من أجلها كشف هذه الشدائد عنا.
وحاصل المعنى: أي (٢) حتى إذا كنتم في الفلك التي سخرناها لكم، وجرت بمن فيها بسبب ريح مؤاتية لهم في جهة سيرهم، وفرحوا بما هم فيه، من راحة وانتعاش، وتمتع بمنظره الجميل، وهوائه العليل، جاءت ريح شديدة قوية، فاضطرب البحر وتموج سطحه كله، فتلقاهم من جميع الجوانب والنواحي، بتأثير الريح، واعتقدوا أنهم هالكون لا محالة، بإحاطة الموج بهم، فبينما يهبط الريح العاصف بهم في لجج البحر حتى كأنهم سقطوا في هاوية، إذا به يثب بهم إلى أعلى، كأنهم في قمة الجبل الشاهق. فإذا ما نزلت بهم نذر العذاب، وتقطعت بهم الأسباب.. دعوا الله مخلصين له الدين ليكشف عنهم ما حل بهم، ولا يتوجهون معه إلى وليّ، ولا شفيع ممن كانوا يتوسلون بهم إليه حال الرخاء، وقد صمموا العزيمة على طاعته، وقالوا: ربنا لئن أنجيتنا من هذه التهلكة، لنكون من جماعة الشاكرين، ولا نتوجه في تفريج كروبنا، وقضاء حوائجنا إلى وثن، ولا صنم.
٢٣ - ﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ﴾؛ أي: فلما أنجى الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم، وواعدوا له بالشكر على الإنجاء، إذا أنجاهم من تلك الشدائد التي أحاطت بهم، وأخرجهم إلى البر ﴿إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: فاجؤوا وأسرعوا البغي والفساد في الأرض، وزيادة في الأرض للدلالة على أن فسادهم
(٢) المراغي.