هذا شامل لأقطار الأرض؛ أي: فلما نجاهم مما نزل بهم من الشدة والكربة، فاجؤوا الناس في الأرض التي يعيشون فيها، بالبغي والاستطالة عليهم، والظلم لهم مع الإمعان في ذلك. والإصرار عليه، أو المعنى: أنهم أخلفوا الله ما وعدوه، وبغوا في الأرض، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أمر الله به من الكفر والعمل بالمعاصي على ظهرها.
وفي قوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ تأكيدًا للواقع، وتذكير بقبحه وسوء حال أهله، أو لبيان أنه بغير حق عندهم أيضًا، بأن يكون ظلمًا ظاهرًا، لا يخفى على أحد قبحه، كما جاء في قوله: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. قال صاحب "الكشاف": فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ والبغي لا يكون بحق؟
قلتُ: بلى قد يكون بحق، كاستيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم، كما فعل رسول الله، - ﷺ -، ببني قريظة. وبعد أن حكى المثل، خاطب البغاة في أي مكان كانوا، وفي أي زمان وجدوا، منبهًا واعظًا فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ الغافلون عن أنفسكم، أما كفاكم بغيًا على المستضعفين منكم اغترارًا بقوتكم وكبريائكم ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ﴾ وظلمكم في الحقيقة ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾؛ لأن عاقبة وباله عائدة إليكم، وإنما تتمتعون ببغيكم ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الزائلة وهي تنقضي سريعًا، والعقاب باقٍ.
والبغي من (١) منكرات الذنوب العظام قال بعضهم: لو بغى جبل على جبل.. لاندك الباغي. وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعرًا، وكان المأمون يتمثل به فقال:
يَا صَاحِبَ الْبَغْي إِنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَةٌ | فَارْجِعْ فَخَيْرُ مَقَالِ الْمَرْءِ أَعْدَلُهُ |
فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْمًا عَلَى جَبَلٍ | لاَنْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيْهِ وَأَسْفَلُهُ |
(٢) أبو السعود.