مر من الجملة المستأنفة، المقدرة، فكأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ثم إنكم ترجعون إلينا بعد هذا التمتع القليل، فننبئكم بما كنتم تعملون من البغي والظلم، والتمتع بالباطل، ونجازيكم به، وإنما غير الأسلوب إلى الجملة الاسمية، مع تقديم الجار والمجرور، للدلالة على الثبات والقصر، اهـ "أبو السعود".
وفي (١) الآية إيماء، إلى أن البغي مجزيٌّ عليه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فلقوله: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ ولما جاء في الحديث الذي رواه الإِمام أحمد والبخاري: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم"، والذي رواه أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله، - ﷺ -، "ثلاث، هن رواجع على أهلها: المكر، والنكث، والبغي"، ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾. وأما في الآخرة فكفى دلالة على ذلك ما أفادته الآية من التهديد والوعيد.
والخلاصة: أن البغي، وهو أشنع أنواع الظلم، يرجع على صاحبه لما يولد من العداوة والبغضاء بين الأفراد ولما يوقد من نيران الفتن والثورات في الشعوب. انظر إلى من يبغي على مثله، تجده قد خلق له عدوًا، أو أعداءً، ممن يبغي عليهم.
ولا شك أن وجود الأعداء، ضرب من العقوبة، فهم يقتصون لأنفسهم منه بكل الوسائل التي يقدرون عليها، وإن هم لم يفعلوا ذلك.. فإنه يرى في أعينهم من أنواع الحنق والغضب ما لا يخفى عليه، فيتأجج قلبه حسرةً وندامةً على ما فعل، ويود أن لو لم يكن خلق لنفسه هذه الحزازات والضغائن المتغلغلة في النفوس.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ
(٢) البحر المحيط وزاد المسير والشوكاني.