لا تعبدوا إلا الله؛ أي: نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له. والمراد بالعبادة، التوحيد وخلع الأنداد والأصنام وما كانوا يعبدون والرجوع إلى الله تعالى وإلى عبادته، والدخول في دين الإِسلام وهذا كقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾. وقل يا محمَّد للناس ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ﴾؛ أي: من جهة الحكيم الخبير ﴿نَذِيرٌ﴾؛ أي: بعذابه إن عبدتم غير الله تعالى ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بثوابه إن تمحضتم في عبادته؛ أي: قل لهم إنني لكم نذير من جهة الله تعالى، أنذركم عقابه إن ثبتم على كفركم ولم ترجعوا عنه ﴿وَبَشِيرٌ﴾ منه أبشر بالثواب الجزيل لمن آمن بالله ورسوله وأطاع وأخلص العمل لله وحده، وهذا بيان لوظيفة الرسالة، ومبين لدعوة الرسول، - ﷺ -.
٣ - وقوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ معطوف على ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ والكلام في ﴿أَن﴾ هذه كالكلام في التي قبلها. وقوله: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ معطوف على ﴿اسْتَغْفِرُوا﴾ وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة، لكونه وسيلة إليها؛ أي: اطلبوا من ربكم ستر ما سلف منكم من الشرك، ثم أقبلوا إليه بالطاعة والإخلاص: لأن الاستغفار هو طلب الغفر، وهو الستر، والتوبة: الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك، فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة. وقيل معناه: استغفروا لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل. وقيل: استغفروا في الصغائر ثم توبوا إليه في الكبائر. وقال الفراء: ثم هنا بمعنى الواو؛ لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد.
والمعنى (١): واسألوه أن يغفر لكم ما كان منكم من أعمال الشرك والكفر والإجرام، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة له دون غيره، مما تعبدون من دونه من الأصنام والأوثان.
فإن فعلتم ذلك، واستغفرتم من كل ذنب، وتبتم من الإعراض عن هدايته، وتنكب سننه.. ﴿يُمَتِّعْكُمْ﴾ في دنياكم ﴿مَتَاعًا حَسَنًا﴾؛ أي: يطول نفعكم في الدنيا

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon