جميعًا أممًا وأفرادًا، لا يتخلف منكم أحد، وحينئذٍ تلقون جزاءكم بالعدل والقسطاس، وهو سبحانه قدير على كل شيء، من إيصال الرزق إليكم في الدنيا، وثوابكم وعقابكم في الآخرة، وهذه الجملة مقررة لما قبلها.
٥ - ثم أخبر (١) الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجح فيهم، ولا لانت له قلوبهم، بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر، فقال مصدرًا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم، وأنه ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه: ﴿أَلاَ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن هؤلاء الكفار الكارهين لدعوة التوحيد ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾؛ أي: يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر، كما هو دأب المنافقين ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾؛ أي: ليختفوا من الله سبحانه وتعالى فلا يطلع عليه رسوله ولا المؤمنين، أو ليستخفوا من رسول الله، - ﷺ -، ثم كرر كلمة التنبيه مبينًا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾؛ أي: انتبه يا محمَّد إنهم يستخفون منه في وقت استغشاء الثياب والتغطية بها، وقد كانوا يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمَّد.. فمن يعلم بنا. وقيل معنى: حين يستغشون: حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون ثيابهم. وقيل: إنه حقيقة، وذلك إن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله، - ﷺ -، ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، لئلا يسمع كلام رسول الله، - ﷺ -. والعامل في قوله: ﴿حِينَ يَسْتَغْشُونَ﴾ مقدر وهو يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفًا ليعلم؛ أي: ألا يعلم سرهم وعلنهم حين يفعلون كذا، وهذا معنى واضح ذكره في "الفتوحات"؛ أي: تنبه (٢) يا محمَّد إن الكفار يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى حين يغطون رؤوسهم بثيابهم للاستخفاء. عن ابن عباس إن هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق وأصحابه، من منافقي مكة، وكان رجلًا حلو المنطق، حسن المنظر، يظهر لرسول الله، - ﷺ -، المحبة، ويضمر في قلبه العداوة.

(١) الشوكاني.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon