حتى أنساه ذلك ما عايَنَ من الآياتِ، وعَمِلَ برأيها في سجنه، لإلحاق الصغار به، كما أوعدته، وذلك لما أيِسَتْ من طاعته، وطَمِعَتْ في أن يذللَهُ السِّجْنُ ويسخره لها، اهـ.
وإنا لنستخلصُ من هذه القصة الأمورَ التَّالِيةَ (١):
١ - أن النِّقَم قد تكون ذَرِيعةً لكثير من النعم، ففي بدء القصة أحداث كلها أتراح أعقبتها نتائج كلها أفراحٌ.
٢ - أنَّ الأخوة لأب قد توجد بينهم ضغائن، وأحقادٌ ربما تصل إلى تمنِّي الموت، أو الهلاك، أو الجوائح التي تكون مصدر النَّكَبات، والمصَائِبِ.
٣ - أنَّ العفةَ والأمانةَ والاستقامةَ تكون مَصْدرَ الخير والبركة لمن تحلى بها، والشواهد فيها واضحة، والعبرة منها ماثلة لمن اعتبرَ وتدبَّرَ، ونظَرَ بعين الناقد البصير.
٤ - أن أُسها، ودعامَتَها هو خلوة الرجل بالمرأة فهي التي أثَارت طبيعتها، وأفضتْ بِها إلى إشباع أنوثتها، والرجوع إلى هواها، وغريزتها، ومن أجل هذا حرم الدِّينُ خلْوةَ الرجلِ بالمرأة وسفَرَها بغير محرم. وفي الحديث: "ما اجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما".
وإنا لنَرَى في العصر الحاضِرِ أَنَّ الدَاءِ الدَّوِيَّ والفسادَ الخُلقِيَّ الذي وصل إلى الغاية، وكلنا نلمس آثارَهُ ونشاهد بَلْواه، ما بلغ إلى ما نرى إلا باختلاط الرجال بالنساء في المَراقصِ، والملاهِي، والاشتراك معهم في المفاسد، والمعاصي كمعاقرة الخمور، ولعبِ القمارِ في أنديةِ الخزيِ والعارِ، وسباحة النساء مع الرجال في الحمامات المشتركة.
وبَعْدُ، فهل لهذه البلوى مَنْ يُفَرِّج كُرْبَتَها، وهل لهذا الليل من يزيل ظلامَه، وهل لهذه الجراح مِن آس، وهل لهذه الفوضى من علاج، وهل لهذه الطامة من يقوم بِحَمْلِ عَبْئِهَا عن الأمة، ويكون فيه من الشجاعة ما يجعله يرفع الصوت