نبي، تقلَّبَتْ عليه صروف الزمان، بَيْنَ نحوس وسُعود، كان في جميعها خير أسوة، وموضوعُ سورة هود أصول الدين، وإثباتُ الوحي والرسالة والبعث والجزاء، وقَصَص الأنبياء المختلفة، فناسبها الوصف بالحِكْمةِ. ومن حيث النهاية أنَّ سُورةَ هود خُتِمَت بقوله ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ﴾ وهذه بُدِئَتْ بقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾.
وعبارة الشهاب هنا: لَما خُتِمت (١) سورة هود بقوله: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ إلخ.. ذُكِرت هذه السورة بعدها؛ لأنها من أنباءِ الرسل، وقد ذَكَر أوَّلًا ما لقي الأنبياء من قومهم، وذكر في هذه ما لقي يوسف من إخوته، لِيَعْلَمَ ما قاسوه من أذى الأجانب، والأقارب، فبينهما أتم المناسبة، والمقصود تسلية النبي - ﷺ - بما لاقاه من أذى الأقارب والأباعد، اهـ.
وعبارة أبي حيان: ووجه مناسبتها لما قبلها وارتباطها به أنَّ في آخر السورة التي قبلَها (٢): ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، وكان في تلك الأنباء المقصوصة فيها ما لاقَى الأنبياء من قومهم، فأتبعَ ذلك بقصة يوسف، وما لاقاه من إخوته، وما آلت إليه حاله من حسن العاقبة، ليحصلَ للرسول - ﷺ - التسلية الجامعة لما يلاقيه من أذى البعيد والقريب، وجاءَتْ هذه مطولة مستوفاةً فلذلك لم يتكرَّرْ في القرآن إلا ما أخبر بِه مُؤْمِنُ آل فرعون في سورة غافر.
وحكمة قَصِّ القصص عليه - ﷺ - ليتأسَّى (٣) بهم، ويتخلَّق بأخلاقهم، فيكون جامعًا لكمالات الأنبياء.
قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لما بين أنَّ أخوة يُوسُفَ أجمعوا أَمرَهم على إلقائه في غيابة الجُبِّ، ونَفَّذُوا ذلك.. ذَكَر هنا طريقَ خَلاصِه من تلك المِحْنَةِ بمجيء قافلةٍ من التجار ذاهبة إلى مصر، فأخرجوه من البئر، وباعوه في مصر بثمنٍ بَخْسٍ.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الصاوي.