أي: مجموعًا، أو مقروءًا ﴿عَرَبِيًّا﴾؛ أي: منسوبًا إلى العرب لكونه نزل بلغتهم. والمعنى: أنَّ القرآن نَزَل بلغة العرب، فليس فيه شيء غير عربيّ. فإن قلت: قد ورد في القرآن شيء غير عربي كسجيل، ومشكاة، وإستبرق، وغير ذلك.
أجيب (١): بأنَّ هذا مما توافقت فيه اللغات، والمراد: أنَّ تراكيبه، وأسالِيبَه عربية، وإن وَرَدَ فيه غير عربي، فهو على أسلوب العرب، والمرادُ أنَّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العربُ، ودارَتْ على ألسنتهم.. صارت عربية، فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها.. نسبت إليهم، فصارت لهم لغة؛ وإنما كان القرآن عربيًّا؛ لأنَّ تِلكَ اللُّغَةَ أفصح اللغات، ولأنها لُغَةُ أهل الجنة في الجنة.
فَعَربِيًّا (٢) نعت لِقرآنًا نعت نسبة لا نعت لزوم، لأنه كان قرآنًا قبل لزومه، فلَمَّا نزل بلغة العرب نسب إليها كما في "الكواشي". و ﴿قُرْآنًا﴾ حال موطئة؛ أي: توطئةً للحالِ التي هي عربيًّا؛ لأنه في نفسه لا يبين الهيئة، وإنما بينها ما بعده من الصفة، فإنَّ الحالَ الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، فكأنَّ الاسمَ الجامد، وطأ الطريقَ لما هو حال في الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفًا بها كما في "شرح الكافية". وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ علة لكونه عربيًّا؛ أي: لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه، وتطلعوا على أنه خارج عن طوق البشر، مُنَزَّلٌ من عند خالق القُوَى والقدر. وقال في "بحر العلوم": (لعلَّ) مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ العرب معناه أو معنى الترجي؛ أي أنزلنا قرآنًا عربيًّا إرادة أن تعقله العرب، ويفهموا منه ما يدعوهم إليه، فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لنبيهم ما خُوطبنا به كما قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ﴾ انتهى.
والمعنى (٣): أي إنا أنزلنا هذا الكتابَ على النبي العربي، ليبيِّنَ لكم بلغتكم العربية، مَا لَمْ تكونوا تعلمونه من أحكام الدين، وأنباءِ الرسل، والحكمة،
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.