فلان، وبينهما عِدَّةُ آباء، انتهى. أما إتمامها على إبراهيم فباتخاذه خليلًا، وبإنجائه من النار، ومنْ ذبح الولد. وأما على إسحاق فبإخراج يعقوب، والأسباط من صلبه، وكُلُّ ذلك نعم جليلة، وقعت تتمةً لنعمة النبوة، ولا يجب في تحقيق التشبيه كون ذلك في جانب المشبَّهِ مِثل ما وقع في جانب المشبه به من كل وجه؛ أي: كما أتمَّ النِّعْمَة من قبل هذا العهد على جدك وجد أبيك. وقَدَّم إبراهيم لأنه الأشرفُ منهما. وقد قال يعقوب ذلك لما كان يَعْلَمه من وَعدِ اللَّهِ لإبراهيم باصطفاء آله، وجعل النبوة، والكتاب في ذريته، وما عَلِمه من رُؤْيَا يوسف، وأنَّهُ الحَلَقَةُ الأولى في السلسلة النبوية التي ستكون من بعده من أبنائه. ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا يوسف ﴿عَلِيمٌ﴾ بمَنْ يستحق الاجتباء ﴿حَكِيمٌ﴾ يضعُ الأشياءَ مواضعَها، والجملة مستأنفة (١) مقررة لمضمون ما قبلَها تَعْلِيلًا له؛ أي: فَعَلَ ذلك؛ لأنه عليم حكيم. وهذا كلام من يعقوب مع ولده يُوسُفَ تعبيرًا لرؤياه على طريق الإجمال، أو علم ذلك من طريق الوحي، أو عرفه بطريق الفراسة، وما تقضيه المخايِلُ اليوسفيةُ.
والمعنى: أي إن رَبَّك (٢) يا يوسف عليم بمن يصطفيه، ومَن هو أهل للفضل، والنعمة فيُسَخِّر له الأسبابَ التي تبلغ به الغاية إلى ما يريده له، حكيم في تدبيره، فيفعل ما يشاء جريًا على سنن علمه وحكمته.
وخلاصة ما تقدم: أنَّ يعقوبَ عليه السلام فَهِمَ من هذه الرؤيا فَهْمًا جُمَلِيًّا كُلُّ ما بُشِّر به ابنه يوسف الرائي، وأمَّا كيدُ إخوته به إذا قصَّها عليهم فقد استنبطه منْ طبع وعداوة الشيطان له، ثُمَّ قَفَّى على ذلك ببشارته بما تدل عليه الرؤيا من اجتباء ربه، ومن تأويل الأحاديث، وهو الذي سيكون وسيلة بينه وبين الناس في رفعة قدره، وعلو مقامه وإتمام نعمته عليه بالنبوة والرسالة كما كان ذلك لأبويه من قبل.
(٢) المراغي.