وعزتي وجلالي
٧ - ﴿لَقَدْ كَانَ فِي﴾ قصة ﴿يُوسُفَ﴾ بن يعقوب عليهما السلام ﴿و﴾ حكاية ﴿إخوته﴾ الأحد عشر ﴿آيَاتٌ﴾؛ أي: علامات عظيمة الشأن دالة على قدرة الله سبحانه وتعالى القاهرة، وحكمته الباهرة ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾؛ أي (١): لكل مَنْ سأل عن قصتهم، وعَرَفها، فإنَّ كِبَار أولاده يعقوب بعدما اتفقوا على إذْلال أصغر أولاده يوسف، وفعلوا به ما فَعَلُوا قد اصطفاه الله للنبوة والملك وجعلهم خَاضِعين له منقادينَ لحكمه، وأنَّ وبَالَ حسدهم قد انقلب عليهم، وهذا مِنْ أَجَلِّ الدلائل على قدرة الله القاهرة، وحِكمتِهِ الباهرة.
والمعنى: والله (٢) لقد كان في قصة يوسفَ وإخوته لأبيه عِبَرٌ أيُّما عِبر دالةٌ على قدرة الله، وعظيم حكمته، وتوفيق أقداره، ولطفه بِمَنِ اصطفى من عباده، وتربيته لهم وللسائلين عنها الراغبينَ في معرفة الحقائق، والاعتبار بها فإنهم هم الذين يعقلون الآيات، ويستفيدُون منها.
تأمَّل يا أخي: تَرَ أنَّ إخوةَ يُوسُفَ لو لم يحسدوه لما ألقوه في غَيَابَةِ الجُبِّ، ولوْ لَم يلقوه فيها: لما وَصَلَ إلى عزيز مصر، ولو لم يعتقد العزيزُ بصادق فراسته أمَانتَهُ وصِدْقَه لما أمنه على بيته، ورزقه، وأهله، ولو لم تُراوده امرأة العزيز عن نفسه، ويستعصم منها لما ظهرَتْ نزاهته، ولو لم تَفْشَلْ في كيدها وكيد صُويْحِبَاتِهَا لَمَا ألقي في السجن، ولو لم يُسْجَن ما عرَفه ساقي مَلِك مصر، وعَرَف صدقَه، في تعبير الرؤيا، وإرشادِ مَلكِ مصر إليه، فآمَنَ به، وجعله على خزائن الأرض، ولو لم يَتَبوَّأْ هذا المَنْصِبَ ما أمكنه أن ينقذ أبَوَيْهِ وإخوتَه وأهله أجمعين من الجوع والمخمصة، ويأتي بهم إلى مصر، فيشاركوه فيما ناله من عِزٍّ وبَذخٍ ورَخَاءِ عيشٍ، ونعيم عظيم، وما من مبدأ من هذه المبادىء إلَّا كان ظاهره شرًّا مستطيرًا، ثم انْتَهَى إلى عاقبة كانت خيرًا وفوزًا مبينًا.
فتلك ضروب من آيات الله في القصة لمن يريد أن يَسْأَلَ عن أحداثها
(٢) المراغي.