الحسية الظاهرة، وعلومها الباطنة، كعلم يعقوب بتأويل رُؤْيَا يُوسُفَ وعِلْمِهِ بكذبهم في دعوى أكل الذئب له، ومن شَمِّهِ لرِيحِ يُوسُفَ منذ فصلت العير من أرض مصر ذاهبةً إلى أرض كَنْعَانَ، ومن رؤيةِ برهان رَبِّهِ، ومن كيد الله له ليأخذ أخاه بشرع الملك، ومن عِلْمِهِ بأنَّ إلْقَاءَ قميصه على أبيه يُعيده بصيرًا بعد عَمى بَقِيَ كثيرًا من السنين.
وقرأ مجاهد، وشِبْلٌ وأهلُ مكة، وابن كثير (١): ﴿آيةٌ﴾ علي الإفراد. وقرأ الجمهور: ﴿آياتٌ﴾. وفي مصحف أُبي: ﴿عبرةٌ للسائلين﴾ مكانَ آية.
٨ - ﴿إِذْ قَالُوا﴾؛ أي: إن في شأن يوسف وإخوته لعبرة حين قالوا؛ أي: حِينَ قال بعض العشرة لبعضهم والله ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ الشقيقُ بِنْيَامِينُ بكسر الباء وفتحها فاللام في ﴿لَيُوسُفُ﴾ موطئة (٢) للقسم كما قدرنا، أو لام الابتداء (٣)، وفيها تأكيد، وتحقيقٌ لمضمون الجملة، أرادوا أنَّ زيادة مَحَبَّتِهِ لهما أمر ثابت لا شبهة فيه، وإنما قالوا هو وأخوه، وهم إخوته أيضًا؛ لأنَّ أمَّهُمَا كانت واحدةً اسمها راحيلُ كما مرَّ فهو شَقِيقُه. والشقيق: الأخُ من الأب والأم. وقد يقال: للأخ من الأب، لأنَّه شَقَّ مَعَكَ ظهْرَ أبيك، وللأخ من الأم لأنه شق معك بطن أمك. وفي "القاموس": الشقيق كأمير الأخِ كأنه شقَّ نسَبُه من نسبه، انتهى. وإنما لم يذكر (٤) باسمه تلويحًا بأنَّ مدار المحبة إخوته ليوسف من الطرفين، الأب، والأم، فالمآل إلى زيادة الحُبِّ ليُوسُفَ ولذلك تعرضوا لقتله، وطرحه، ولم يتعرضوا لبنيامين. ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾؛ أي: أكْثرَ وأزيدُ مَحَبَّةً مِنَّا عند أبينا، وإنما قالوا هذه المقالَةَ: لأنه بلَغَتْهُم خَبر الرؤية، فأجمع رأيهُم على كيده. ﴿و﴾ الحال ﴿نحن عصبة﴾؛ أي: والحال أنَّا جماعةٌ قادرون على الحل والعقد قائمون بدفع المقاصد، والآفات مشتغلون بتحصيل المنافع، والخيرات، وقائمون بمصالح
(٢) الخازن.
(٣) النسفي وغيره.
(٤) روح البيان.