الأب، فنحن أحِقَّاءِ بزيادةِ المحبة منهما، لفضلنا بذلك، وبكوننا أَكْبَرَ سِنًّا، وما معنى اختيار صغيرين ضعيفين على العشرة الأقوياءِ. والعصبة والعصابة: العشرة من الرجال فصاعدًا كما سيأتي في مَبْحَثِ مفردات اللغة. وإنما قيل (١): أحبُّ بالإفراد في الاثنين؛ لأن أفعلَ منْ لا يُفرَّق فيه بين الواحد وما فوقه، ولا بَيْنَ المذكر والمؤنث، ولا بُدَّ من الفرق مع لام التعريف، وإذا أُضِيفَ جَازَ الأمران كما يُعرف من محله.
والمعنى (٢): أي إنَّ في شأنهم لعبرةً حين قالوا: ليوسُف وأخوه الشقيقُ بنيامينُ أحَبُّ إلَى أَبِينَا منا فهو يفضلهما علينا بمزيد محبة على صغرهما، وقليل نفعهما، ونحن رجال أشداء أقوياء، نَقُوم بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والكفاية.
﴿إِنَّ أَبَانَا﴾ في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما، وكونهما بمعزل من الكفاية، بالصغر، والقِلَّة ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: لفي خطأٍ بين ظاهر الحال بالنسبة إلى مصالح الدنيا، لا في الدين، وإلا لكفروا بذلك، نظروا إلى صورة يُوسُفَ، ولم يحيطوا علمًا بمعناه، فقالوا ما قالوا، ولم يعرفوا أنَّ يوسف أكبرُ منهم بحسب الحقيقة والمعنى؛ أي: إنَّ أبانا لقد أخطأ في إيثاره يوسفَ، وأخاه من أمه علينا بالمحبة، وهو قد ضَلَّ طريق العدل والمساواة ضلالًا بينًا لا يَخْفَى على أحد، فكيف يفضل غُلامَيْنِ ضعيفين لا يقومان له بخدمة نافعة على العصبة أولى القوة، والكسب، والحماية عن الذمار.
وفي الآية (٣): من العبرة وجوبُ عِناية الوَالِدَين بمداراة الأولاد، وتربيتهم على المحبة، واتقاءِ وقوع التحاسد والتباغض بينهم، واجتناب تفضيل بعضهم على بعض، بما يعده المفضول إهانةً له، ومحاباة لأخيه بِالهَوى. قال بعض (٤)

(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon