السَّيَّارَةِ}؛ أي: بعض طائفة تسير في الأرض. والسيارة جماعة المسافرين الذين يسيرون في الأرض من مكان إلى آخر للتجارة أو غيرها، وذلك أنَّ هذا الجبَّ كَانَ مَعروفًا يرد عليه كثير من المسافرين؛ أي: يأخذه بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية أخرى، فتستريحون منه ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ بمشورتي، ولم يقطع القول عليهم، بل إنما عَرَضَ عليهم ذلِكَ تَأْلِيفًا لقلبهم، وحذرًا من نسبتهم له إلى الافتيات؛ أي: الاستبداد، والتفرد به. وفيه (١): إشارة إلى ترك الفعل، فكَأنَّه قال: لا تَفْعَلُوا شيئًا من ذلك، وإن عزمتم على إزالتِهِ من عند أبيه ولا بُدَّ فَافْعَلُوا هذا القدرَ؛ أي: إلقاءَه في البئر، والأولى أن لا تفعلوا شيئًا من القتل والتغريب.
وحاصل المعنى (٢): أي: قال قائل منهم: وهو رُوبيل، أو يهوذا، لا تقتلوا يوسفَ، وألقوه في قعر البئر، حيث يَغِيبُ خبره، فيلتقطه بعض المسافرين، ويأخذوه إلى حيث ساروا في الأقطار البعيدة، وبذا يَتِمُّ لكم ما تريدون، وهو إبعاده عن أبيه، إن كنتم فاعلينَ ما هو المقصدُ لكم بالذات إذ لا شكَّ أن قَتْلَهُ لا يَعْنيكم لذاته، فَعَلام تُسْخِطُون خَالِقَكُم باقتراف جريمة القتل، والغرض يَتِمُّ بدونها.
قال محمَّد بن إسحاق (٣): اشتمل فِعْلُهُم هذا على جرائمَ كثيرةً من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم، وعفا الله عن ذلك كُلِّه، حتى لا ييأس أحدٌ من رحمة الله تعالى. وقال بعض أهل العلم: عَزَمُوا على قتله، وعَصَمَهُم الله تعالى رحمةً بهم، ولو فعلوا ذلك لَهَلَكُوا جميعًا، وكل ذلك كَانَ قَبْلَ أنْ نَبَّأهم اللَّهُ تعالى كما مر. فانظر إلى هؤلاء الإخوان الذين أَرْحَمُهُم له لا يَرْضى إلا بإلقاء يوسف في أسفل الجب، وهكذا إخوانُ الزمان، وأبناؤُه، فإنَّ ألسنتهم دائرة بكل شر، ساكتةٌ عن كل خير.
فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف، وبين والده بضرب من الحِيَل،

(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon