١١ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال إخْوَةُ يُوسُفَ لأبيهم يعقوب ﴿يَا أَبَانَا﴾ خاطبوه بذلك تحريكًا لسلسلة النسب بينه وبينهم، وتذكيرًا لرابطة الأخوة بينهم وبين يوسف، ليتَسَبَّبُوا بذلك إلى استنزاله عن رأيه في حفظه منهم، لما أحسَّ منهم بأمارات الحسد والبَغْيِ، فكأنهم قالوا: ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا﴾؛ أي: أي عُذْر لك في ترك الأمن؛ أي: في الخوف ﴿عَلَى يُوسُفَ﴾ مع أنك أبونا، ونحن بنوك، وهو أخونا. وجملة قوله: ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾ حال من معنى الفعل في ﴿مَا لَكَ﴾ كما تقول: ما لك قائمًا بمعنى: ما تصنع قائمًا. والاستفهام فيه للاستخبار والتقرير.
وهذا الكلام مبني على مقدمات محذوفةٍ، وذلك أنهم قالوا أوَّلًا لِيُوسُفَ اخْرُج معنا إلى الصحراءِ إلى مواشينا، فنستبق ونَصيدُ، وقالوا له: سَلْ أباك أن يُرْسِلَكَ معنا، فسأله فتوقف يعقوبُ فقالوا له: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾؛ أي: أي شيء ثَبَتَ لكَ لا تَجْعَلُنا أُمَنَاءَ عليه مع أنه أخونا، وأنك أبونا، ونحن بَنُوكَ ﴿و﴾ الحال ﴿إنا له لناصحون﴾؛ أي: لعاطفون عليه، قائمون بمصلحته، وبحفظه؛ أي: هم أظهروا عند أبيهم، أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، والجملة حال من مفعول ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾؛ أي: والحال إنَّا لمريدون له الخير، ومشفقون عليه، ليس فينا ما يخلُّ بالنصيحة والمِقَةِ. وقرأ (١) زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري وعمرو بن عبيد، بإدغام نون (تأمن) في نون الضمير من غير إشمام. وقَرأ الجمهور بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة فلا يَكُونُ إدغامًا مَحْضًا. وقرأ ابن هرمز بضم الميم فتكون الضمة منقولَةٌ إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتَها، وإدغام النون في النون. وقرأ أُبي والحسنُ وطلحةُ بن مصرف، والأعمش: (لا تأمننا) بالإظهار، وضم النون على الأصل، وخط المصحف بنون واحدة. وقرأ ابن وثاب، وأبو رَزِين شذوذًا: (لا تِيْمُنَّا) على لغة تميم، وسَهَّل الهمزةَ بعد الكسرة ابن وثاب.
١٢ - وفي قوله: ﴿أَرْسِلْهُ﴾ دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائمًا؛ أي: أرسله ﴿مَعَنَا غَدًا﴾ إلى الصحراء ﴿يَرْتَعْ﴾؛ أي: نتسع في أكل الفواكه، ونحوها؛ فإنَّ