وقال بعضهم: سَبَبُ ابتلاء يعقوبَ بفراق يوسف ما روي في الخبر أنه ذَبَح جَدْيًا بَيْنَ يدي أُمِّهِ فلم يَرْضَ اللَّهُ تعالى ذلك منه، وأَرَى دمًا بدم، وفرقةً بفرقة، لعظمةِ احترام شأن النبوة، ومن ذلك المقام: حسناتُ الأبرار سيئاتُ المقربين.
وقال بعضهم (١): لما وُلِدَ يوسُفُ اشترى يعقوب له ظئرًا، وكان لها ابن رضيع، فباع ابْنَها تكثيرًا لِلَّبَنِ على يوسف، فبكَتْ وتضرَّعَت، وقالت: يا رب إنَّ يعقوبَ فَرَّق بيني وبين ولدي، ففرق بينه وبين ولده يوسف، فاستجاب الله دعاءها فلم يَصِلْ يعقوب إلى يُوسُفَ إلا بعد أن لَقِيَتْ تلك الجارية ابنَها. هذا بالنسبة إلى حال يعقوب وابتلائه، وأمَّا بالنسبة إلى يوسف، فقد حكي أنه أخَذ يومًا مرآةً فنظر إلى صورته، فأَعْجَبَه حسنه، وبهاؤه، فقال: لو كنتُ عَبْدًا فباعوني لما وجد لي ثمن، فابتليَ بالعبودية، وبِيعَ بثمن بَخْسٍ، وكان ذلك سببَ فِرَاقِهِ من أبيه. وفيه إشارة إلى أنَّ الجَمَال والكمالَ كلَّه لله تعالى.
١٦ - ﴿و﴾ لَمَّا طرحوا يوسف في الجب ﴿جاءوا أباهم عشاء﴾؛ أي: رَجَعُوا إلى أبيهم، وَقْتَ العشاء في ظُلمة الليل، لِيَكُونُوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب. فَلَمَّا بَلَغُوا مَنْزِلَ يَعْقُوب جَعَلُوا ﴿يَبْكُونَ﴾؛ أي: يَتَبَاكَوْن ويصرخون لأنهم لم يبكوا حقيقةً بل فعلوا فِعْلَ من يبكي ترويجًا لكذبهم، وتَنْفِيقًا لمكرهم، وغَدْرِهِم، فسمع أصواتَهم، ففَزعَ من ذلك، وقال: ما لكم يا بنيَّ هل أصابكم في غَنمِكم شيء؟ قالوا: الأمرُ أعظمُ، قال: فما هو؟ وأينَ يوسف؟
١٧ - ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا﴾ حالةَ كونِنَا ﴿نَسْتَبِقُ﴾؛ أي يسابقُ بَعْضُنَا بعضًا في الرمي، أو العَدْوِ. وقيل: ننتضل (٢) ويؤيده قراءةُ ابن مسعودَ: ﴿ننتضل﴾. قال الزجاج: وهو نوعٌ من المسابقة. وقال الأزهري: النضالُ في السهام، والرِّهانُ في الخيل، والمسابقةُ تجمعهما. قال القشيري: ﴿نستبق﴾؛ أي: في الرمي أو على الفرس، أو على الأقدام. والغرض من المسابقة التدرب بذلك للحرب. ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾؛ أي: عند ثيابنا، وأزوادنا لِيَحْرُسَها ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ عَقِبَ ذلك من غير
(٢) الشوكاني.