قالوا: هو عبدٌ لنا أبَقَ. وصدقهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعدوه بالقتل سرًّا من مالك بن ذعر، وأصحابِه. والقول الأول أصحُّ لأن مالك بن ذعر هو الذي أسره بضاعةً وأصحابه. والبضاعةُ: ما بُضِعَ من المال للتجارة، أي: قُطِعَ.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بما يعمل إخْوَة يُوسُفَ بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، ولَمْ يَخْفَ عليه أسرارهم يعني من إرادة إهلاك يوسف، فجعل ذلك سببًا لنجاته، وتحقيقًا لرؤياه حتى يصيرَ ملك مصر بعد أَنْ كان عبدًا.
قال أصحاب الأخبار (١): إنَّ يهوذا كان يأتي يوسُفَ بالطعام، فأتاه فلم يَجِدْه في الجبِّ فأخبر إخْوته بذلك، فطلبوه، فإذا هم بمالك بن ذعْرٍ وأصحابه نزولًا قريبًا من البئر، فأتوهم، فإذا يوسف عندهم. فقالوا لهم: هذا عبدنا أبق منا، ويقال: إنهم هددوا يوسفَ حتى يكتم حالَه، ولا يعرفها أحد، وقال لهم مثل قولهم.
٢٠ - ثم إنهم باعوه منهم كما قال: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾.
وفي هذه الجملة (٢) وعيد شديدٌ لمن كان فعله سببًا لما وقع فيه يوسف من المحن، وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه، وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسُفَ بن يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم السلام.
والمعنى (٣): أي وجاءت ذلك المكان قافلة تسير من مَدْيَنَ إلى مِصْرَ فأرسلوا وَارِدَهُمْ الذي يجلب لهم الماء للاستسقاء، فأرسل دَلْوه ودلاه في ذلك الجب فتعلق به يوسف. ولما خَرَجَ ورآه قال مُبشِّرًا جماعته السيارة: ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ أي: آن وقت البشرى فاحضري، كما يقال: يَا أسفًا، ويا حسرتا، إذا وقع ما هو سبب لذلك، فاستبشرتْ به السيارة، وأخفوه من الناس لئلا يَدَّعِيهِ أحدٌ من أهل ذلك المكان لأن يَكُونَ بضاعة لهم من جملة تجارتهم، والله عليم بما
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.