يعمله هؤلاء السيارة، وما يعمله إخوةُ يوسُفَ فلكل منهم مقصد خاص في يوسف، فالسيارة يدَّعون بالباطل، أنه عبد لهم فيتجرون فيه، وإخوةُ يوسف يريدون إخفاءه عن أبيه، ويدَّعُونَ أنَّ الذِّئبَ قد أكله، وذلك كيد بالباطل لِيُمْضِي فيه وفيهم حُكْمَهُ السابقَ في علمه، وليرى إخوةُ يوسُفَ ويُوسُفُ وأبوه قُدْرَتَه تعالى على تنفيذ ما أراد.
وفي هذا تذكير من الله تعالى لنبيه محمد - ﷺ - وتسلية له على ما كان يلقى من قومه، وأقْرِبَائِه وأنسبائه المشركين من الأذى، فكأنه يقول له: اصبر على ما نالك في الله تعالى، فإني قادر على تغيير ذلك كما قدرت على تغيير ما لقِيَ يوسف من إخوته، وسيصير أمْرَكَ إلى العلو عليهم، كما صار أمر يوسف مع إخوته إذ صار سيدهم. ﴿وَشَرَوْهُ﴾؛ أي: باعوه في مصر؛ أي: باع يوسف مالك بن ذعر وأصحابه في مصر بعد أن وَصلُوا إليها وهو من الأضداد. والضمير للوارد وأصحابه، أو الضمير لإخوة يوسف؛ أي: باع إخوة يُوسُفَ يُوسُفَ للوارد وأصحابه، ويحتمل أن يكونَ الشِّراء على معناه؛ أي: واشترى الوارد وأصحابه يُوسُفَ من إخوته إذ جعلوه عُرْضَةً للابتذال بالبيع والشراء؛ لأنهم لم يَعْرِفُوا حَالَهُ إما لأنَّ الله تعالى أغفلهم عن السؤال، ليقضي أَمْرًا كان مفعولًا، أو لأنهم سألوا عن حاله، ولم يفهموا لُغَته لكونها عِبْريةً، أي باعوه في مصر. ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾؛ أي (١): مبخوس ناقص في نفسه لكونه زَيْفًا، وفي قدره لكونه قَلِيلًا فبخس هنا بمعنى مبخوس؛ لأنَّ الثَمَن لا يوسف بالمعنى المصدري، الذي هو النقص، ووصف بكونه مبخوسًا، إما لردائته وغشه، أو لنقصان وزنه، من بخسه حقه؛ أي: نقصه. وقال بعضهم: بثمن بخس؛ أي: حرام منقوص، لأن ثمن الحر حرام، انتهى. حمل البخس على المعنى لكون الحرام ممحوقَ البركات، والقولُ الأول هو الأصح. وقوله: ﴿دَرَاهِمَ﴾ بدل من ثمن أي لا دنانير ﴿مَعْدُودَةٍ﴾؛ أي: قليلة غير موزونة، فهو بيان لقلته، ونقصانه مقدارًا بعد بيان نقصانه في نفسه، بقوله: ﴿بَخْسٍ﴾؛ أي: زيف، لأنهم كانوا يَزِنُونَ الأوقية، وهي أربعون درهمًا