خَلْقٍ جَدِيدٍ}؛ إذ رأوا أن أجزاء الحيوان حين تفتتها وتفرقها يختلط بعضها ببعض، وقد تتناثر في بقاع شتى ونواح عدة، وربما أكل بعض الجسم سبع، وبعضه الآخر حدأة، أو نسر، وحينًا يأكل السمك قطعة منه، وأخرى يجري بها الماء وتدفن في بلد آخر.. أزال هذا الاستبعاد بأن الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم الأجنة في بطون أمهاتها، ويعلم ما هو مشاهد لنا أو غائب عنا يعلم تلك الأجزاء المتناثرة ومواضعها مهما نأى بعضها عن بعض، ويضم متفرقاتها ويعيدها سيرتها الأولى.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى...﴾ الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه (١) الطبراني وغيره عن ابن عباس أن أربد بن قيس وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله - ﷺ -، فقال عامر: يا محمَّد ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال: "لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم"، قال: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: "ليس ذلك لك ولا لقومك"، فخرجا، فقال عامر لأربد: إني أشغل منك وجه محمَّد بالحديث، فأضربه بالسيف، فرجعا فقال عامر: يا محمَّد قم معي أكلمك، فقام معه ووقف يكلمه، وسل أربد السيف، فلما وضع يده على قائم سيفه - يبست، والتفت رسول الله - ﷺ - فرآه، فانصرف عنهما، فخرجا حتى إذا كانا بالرقم.. أرسل الله على أربد صاعقة فقتله، فأنزل الله: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ إلى قوله: ﴿شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿المر﴾ اسم للسورة خبر لمحذوف؛ أي: هذه السورة مسماة بهذا الاسم. وقيل (٢): إن هذه الحروف في أوائل السور حروف تنبيه كـ (ألا) ونحوها، وتقرأ بأسمائها، فيقال: ألف لام ميم را، فلا محل لها من الإعراب، كما قيل: إن كل سورة بدئت بهذه الحروف فيها انتصار للقرآن وتبيان أن نزوله من عند الله حق لا شك فيه. وقال ابن عباس (٣): معناه أنا الله أعلم وأرى ما لا يعلم الخلق وما لا
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.