العلويات والسفليات.
ويدل (١) على كون ﴿تَرَوْنَهَا﴾ صفة لـ ﴿عَمَدٍ﴾ قراءة أبيّ شذوذًا: ﴿ترونه﴾ فعاد الضمير مذكرًا على لفظ ﴿عَمَدٍ﴾؛ إذ هو اسم جمع لعمود، وقياس جمعه عمد - بضمتين - كرسول ورسل. ويجوز أن يكون ﴿تَرَوْنَهَا﴾ جملة مستأنفة، فالضمير راجع إلى ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ كأنه قيل: ما الدليل على أن السماوات مرفوعة بغير عمد؟.. فأجيب أنكم ترونها غير معمودة. والمعنى (٢): أنه تعالى خلق السماوات مرفوعات عن الأرض بغير عمد، بل بأمره وتسخيره على أبعاد لا يدرك مداها، وأنتم ترونها كذلك بلا عمد من تحتها تسندها، ولا علاقة من فوقها تمسكها. وقرأ الجمهور (٣): ﴿عَمَدٍ﴾ - بفتحتين -، وقرأ أبو حيوة ويحيى بن وثاب شذوذًا ﴿عُمُدٍ﴾ بضمتين كقراءة أبيّ.
والثاني منها: ما ذكره بقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ وكلمة (٤) ﴿ثُمَّ﴾ لبيان تفاضل الخلقين وتفاوتهما، فإن العرش أفضل من السماوات، لا للتراخي في الوقت لتقدمه عليها. وفي "السمين": ثم هنا لمجرد العطف لا للترتيب؛ لأن الاستواء على العرش غير مرتب على رفع السماوات اهـ؛ أي: ثم (٥) استوى على عرشه الذي جعله مركز هذا التدبير العظيم استواء يليق بعظمته وجلاله، يدبر أمر ملكه بما اقتضاه علمه من النظام، وإرادته وحكمته من إحكام وإتقان، والاستواء على العرش صفة ثابتة لله تعالى بلا كيف نعتقدها ولا نعطلها، لا نكيفها ولا نمثلها كما هو مقرر في موضعه من علم الكلام، وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى.
والثالث منها: ما ذكره بقوله: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾؛ أي: ذللهما لما يراد منهما من منافع الخلق ومصالح العباد. وقال في "بحر العلوم" معنى
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.
(٥) المراغي.