بدل من ﴿الكافرين﴾ أو صفة له، والاستحباب: استفعال من المحبة؛ أي: وويل وهلاك بعذاب شديد كائن للكافرين الذين يختارون الحياة الدنيا ويوثرونها على الحياة الآخرة الأبدية، فإن المؤثر للشيء على غيره، كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من غيره.
قال ابن عباس (١) - رضي الله عنهما -: يأخذون ما تعجل فيها تهاونًا بأمر الآخرة، وهذا من أوصاف الكافر الحقيقي، فإنه يجد ويجتهد في طلب الدنيا وشهواتها، ويترك الآخرة بإهمال السعي في طلبها، واحتمال الكلفة والمشقة في مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع، فينبغي للمؤمن الحقيقي أن لا يرضى باسم الإسلام، ولا يقنع بالإيمان التقليدي، فإنه لا يخلو عن الظلمات بخلاف الإيمان الحقيقي، فإنه نور محض وليس منه تغيير أصلًا.
والمعنى: أي إن أولئك الكافرين يطلبون الدنيا ويعملون لها ويتمتعون بلذاتها، ويقترفون الآثام ويرتكبون الموبقات، ويؤثرون ذلك على أعمال الآخرة التي تقربهم إلى الله زلفى، وينسون يومًا تجازى فيه كل نفس بما عملت، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤييه ومن في الأرض جميعًا.
٢ - ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ الناس ويمنعونهم ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: عن قبول دينه الذي شرعه لعباده، وجملة ﴿يصدون﴾ وكذلك ﴿وَيَبْغُونَهَا﴾ معطوفتان على ﴿يَسْتَحِبُّونَ﴾؛ أي: ويمنعون من تتجه عزائمهم إلى الإيمان باللهِ، واتباع رسوله فيما جاء به من عند ربه أن يؤمنوا به ويتبعوه؛ لما زين لهم الشيطان من سلوك سبيل الطغيان، وران على قلوبهم من الفجور والعصيان، والبعد عن كل ما يقرب إلى الرحمن. وقرأ الحسن شذوذًا (٢): ﴿وَيُصِدُّونَ﴾ مضارع أصد الداخل عليه همزة النقل، من صد اللازم صدودًا.
٣ - ﴿وَيَبْغُونَهَا﴾؛ أي: ويبغون لها، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon