وقرأ أبو السمال وأبو الجوزاء وأبو عمران الجوني شذوذًا (١): ﴿بلسن قومه﴾ بإسكان السين، قالوا: هو كالريش والرياش. وقال صاحب "اللوامح" واللسن: خاص باللغة، واللسان قد يقع على العضو وعلى الكلام. وقال ابن عطية مثل ذلك، قال اللسان في هذه الآية يراد به اللغة، ويقال: لسن ولسان في اللغة، فأما العضو فلا يقال فيه: لسن. وقال أبو رجاء وأبو المتوكل والجحدري شذوذًا أيضًا: ﴿لسن﴾ بضم اللام والسين، وهو جمع لسان كعماد وعمد. وقرىء شاذًا أيضًا بضم اللام وسكون السين مخففًا كرسل ورسل.
وبعد أن بين سبحانه أنه لم يكن للناس من عذر في عدم فهم شرائعه.. ذكر أن الهداية والإضلال بيده ومشيئته، فقال: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ إضلاله؛ أي: يخلق فيه الكفر والضلال لمباشرة الأسباب المؤدية إليه ﴿وَيَهْدِي﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ هدايته؛ أي: يخلق فيه الإيمان والاهتداء لاستحقاقه له لما فيه من الإنابة والإقبال إلى الحق. وجملة قوله: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ﴾ استئناف إخبار، ولا يجوز نصبه عطفًا على ما قبله؛ لأن المعطوف كالمعطوف عليه في المعنى، والرسل أرسلت للبيان لا للإضلال. قال الزجاج: لو قرئ بنصبه على أن اللام لام العاقبة جاز. اهـ. "سمين".
والخلاصة (٢): أي إن الناس فريقان: فريق هداه الله وأضاء نور قلبه وشرح صدره للإسلام، فاتبع سبيل الرشاد، وفريق رانت على قلبه الغواية والضلالة بما اجترح من الآثام، وأوغل فيه من المعاصي والذنوب، وذلك كله بتقديره تعالى ومشيئته، لا راد لقضائه ولا دافع لحكمه.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب على كل شيء، فلا يغالب في مشيئته ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه الذي لا يفعل شيئًا من الإضلال والهداية إلا لحكمة بالغة، فلا يفعل إلا ما تقتضيه السنن العامة في خلقه والنواميس التي وضعها لصلاح
(٢) المراغي.