حال عباده وضلالهم ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾. وفيه (١) أن ما فوض إلى الرسل إنما هو تبليغ الرسالة، وتبيين طريق الحق، وأما الهداية والإرشاد إليه فذلك بيد الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
٥ - ثم لما بين سبحانه وتعالى أن المقصود من بعثة نبينا محمد - ﷺ - هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور.. أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلا ذلك. وخصّ موسى (٢) بالذكر؛ لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة المحمدية، فقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: وكما أرسلناك أيها الرسول وأنزلنا عليك الكتاب؛ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وعزتي وجلالي لقد أرسلنا موسى بن عمران إلى بني إسرائيل، وأيدناه بآياتنا التسع التي سلف ذكرها في سورة الأعراف في قوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ﴾ الآية. وأمرناه بـ ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾؛ أي: وأمرناه بأن يدعو قومه إلى الإيمان بالله وتوحيده؛ ليخرجوا من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى والإيمان.
وقال أبو السعود (٣): الآيات معجزاته التي أظهرها لبني إسرائيل، والمراد: إخراجهم بعد مهلك فرعون من الكفر والجهالات التي أدتهم إلى أن يقولوا: يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة إلى الإيمان باللهِ وتوحيده وسائر ما أمروا به انتهى. ولما (٤) كان نبينا محمد - ﷺ - مبعوثًا إلى الناس كافة.. قال تعالى في حقه: ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ﴾ ولم يقل: لتخرج قومك كما قال في موسى عليه السلام أن أخرج قومك وخصص. وقال هنالك: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ وطواه هنا؛ لأن الإخراج بالفعل قد تحقق في دعوته - ﷺ -، فكانت أمته أمة دعوة واجابة، ولم يتحقق في دعوة موسى، إذ لم يجبه القبط إلى أن هلكوا، وإن أجابه بنو إسرائيل، والعمدة في رسالته كان القبط.
﴿و﴾ أمرناه بأن ﴿وَذَكِّرْهُمْ﴾؛ أي: ذكر قومك وعظهم مرغِّبًا لهم في ثواب
(٢) الشوكاني.
(٣) أبو السعود.
(٤) روح البيان.