قال قتادة: نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر، وفي الحديث أن رسول الله - ﷺ - قال: "إن أمر المؤمن كله عجب لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا، إن أصابته ضبراء صبر، فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له".
وفي هذا (١) إيماء إلى أن الإنسان في هذه الحياة يجب أن يكون بين صبر وشكر أبدًا؛ لأنه: إما في مكروه يصبر عليه، وإما في محبوب يشكر عليه، والوقت في هذه الحياة ذهب، فمتى ضاع من حياتنا زمن دون عمل نسدي فيه خدمة لأنفسنا ولديننا ووطننا، فقد كفرنا النعمة وأضعنا الفرصة، ولم نعتبر بما حل بمن قبلنا من الأمم الغابرة، فليحذر كل امرئ أن يضيع حياته بلا عمل، وليخف على وقت يضيع، ثم بعده عذاب سريع.
٦ - ولما سمع موسى أمر ربه امتثله، وأخذ يذكر قومه بأيام الله كما حكى الله عنه، فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾؛ أي: واذكر يا محمد لقومك قصة إذ قال موسى لقومه بني إسرائيل: يا قوم ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: تذكروا إنعام الله سبحانه وتعالى عليكم ﴿إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: وقت إنجائه إياكم من فرعون وآله؛ أي: قومه حين كانوا ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾؛ أي: يذيقونكم أشد العذاب، ويكلفونكم من الأعمال ما لا يطاق مع القهر والإذلال ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ تذبيحًا كثيرًا ﴿أَبْنَاءَكُمْ﴾ المولودين صغارًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾؛ أي: ويبقون نسائكم وبناتكم في الحياة ذليلات في الخدمة مستضعفات فيها، وهذا رزء من أشد الأرزاء، وأعظم أنواع البلاء. قال شاعرهم:

وَمِنْ أعْظَمِ الرُّزْءِ فِيْمَا أرَى بقَاَءُ الْبَنَاتِ وَمَوْتُ الْبَنِيْنَا
وفي الكرخي: فإن قيل (٢): استحياء النساء كيف يكون ابتلاء؟
قلنا: كانوا يستخدمونهن بالاستعباد والإرقاق، ويفردونهن عن الأزواج،
(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon