وذلك من أعظم المضار والابتلاء؛ إذ الهلاك أسهل من هذا. اهـ.
وقوله: ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ من عطف (١) الخاص على العام؛ كأن التذبيح لشدته وفظاعته وخروجه عن مرتبة العذاب المعتاد جنس آخر، ولو جاء بحذف الواو كما في البقرة والأعراف.. لكان تفسيرًا للعذاب، وبيانًا له، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن فرعون رأى في المنام أن نارًا أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت بيوت القبط دون بيوت بني إسرائيل، فخوفه الكهنة، وقالوا له: إنه سيولد منهم ولد يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فشمر عن ساق الاجتهاد، وحسر من ساق العناد، وأراد أن يدفع القضاء وظهوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
فإن قلت (٢): قال في سورة البقرة ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ بغير واو، وقال هنا: ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ بزيادة واو، فما الفرق بين الوضعين؟
قلتُ: إنما حذفت الواو في سورة البقرة؛ لأن قوله: ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ تفسير لقوله: ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو، كما تقول: جاءني القوم زيد وعمرو إذا أردت تفسير القوم، وأما دخول الواو هنا في هذه السورة؛ فلأن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح كالأعمال الشاقة وبالتذبيح أيضًا، فقوله: ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ نوع آخر من العذاب، لا أنه تفسير للعذاب.
﴿وَفِي ذَلِكُمْ﴾ المذكور من أفعالهم الفظيعة ﴿بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾؛ أي: محنة عظيمة لا تطاق واقعة من ربكم. فإن قلت: كيف يكون فعل أن فرعون بلاء من ربهم؟
قلتُ: تمكينهم وإمهالهم حتى فعلوا بهم ما فعلوا بلاء من الله تعالى واختبار منه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء، والمراد بالبلاء حينئذ: النعمة؛ لأن الابتلاء كما يكون بالنقمة يكون بالنعمة، كما قال: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ

(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon