لهم الشك، فقالوا: إن لم ندع الجزم في كفرنا، فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في ذلك.
أو يقال في الجواب (١): إنهم كانوا فرقتين: إحداهما جزمت بالكفر، والأخرى شكت، أو يقال: المراد بقولهم إنا كفرنا بما أرسلتم به؛ أي: المعجزات والبينات، وقولهم: مما تدعوننا إليه: الإيمان والتوحيد.
وحاصله: أن كفرهم بالمعجزات وشكهم في التوحيد، فلا تخالف. اهـ. شيخنا.
وقرأ طلحة (٢): ﴿مِمَّا تَدْعُونَنَا﴾ بإدغام نون الرفع في الضمير، كما تدغم في نون الوقاية في مثل ﴿أَتُحَاجُّونِّي﴾.
١٠ - فردت الرسل عليهم منكرين متعجبين من تلك المقالة الحمقاء، كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: ﴿قَالَتْ﴾ لهم ﴿رُسُلُهُمْ أَفِي﴾ وجود ﴿اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ووحدانيته ﴿شَكٌّ﴾ وريب، وكيف يتصور ذلك لا شك في وجوده ووحدانيته؛ لأن الفطرة شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به، فالاعتراف به ضروري لدى كل ذي رأي حصيف كما جاء في الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". وهذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالت لهم الرسل؟ والاستفهام فيه للإنكار المضمن للتوبيخ والتقريع؛ أي: أفي وحدانيته سبحانه شك، وهي في غاية الوضوح والجلاء، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الأدلة الموصلة إلى ذلك، ومن ثم ذكرت الرسل بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه وتعالى ووحدانيته، فقالوا: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم؛ أي: هو سبحانه الذي خلقهما وأبدعهما على غير مثال سابق، ودلائل الحدوث ظاهرة عليهما، فلا بد لهما من صانع وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء وإلهه

(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon