ومليكه، وقد جاء هذا الوصف في محاورات الأنبياء جميعًا، وهو نفس الوصف الذي جاء في أول السورة على لسان نبينا - ﷺ -، ومن هذا يعلم أن كل نبي جعل مطمح نظره توجه النفوس إلى علوم السماوات والأرض. وقرأ زيد بن علي (١): ﴿فَاطِرِ﴾ نصبًا على المدح. ولما أقاموا الدليل على وجوده وصفوه بكمال الرحمة بقولهم: ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ سبحانه وتعالى إلى الإيمان به وتوحيده بإرساله إيانا لنخرجكم من ظلمات الوثنية إلى نور الوحدانية وإخلاص العبادة له، وهو الواحد القهار ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾؛ أي: ليغفر لكم ذنوبكم إذا آمنتم وصدقتم. فحرف ﴿من﴾ صلة، وقيل: إنها ليست صلة، بل هي تبعيضية؛ أي: يدعوكم إلى الإيمان؛ لمغفرة بعض ذنوبكم، وهي الذنوب التي بينكم وبين ربكم من الكفر والمعاصي، لا المظالم وحقوق العباد.
والمتتبع لأسلوب الكتاب الكريم (٢)، يرى أن كل موضعٍ ذكر فيه مغفرة الذنوب للكافرين جاء بلفظ ﴿من﴾، كقوله: ﴿وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾، وقوله: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾؛ لأنه يخاطبهم في أمر الإيمان وحده.
وفي المواضع التي يذكر فيها مغفرة الذنوب للمؤمنين تجيء بدون ذكر ﴿مِنْ﴾، كقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾؛ لأن المغفرة منصرفة إلى المعاصي ومتوجهة إليها. ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ﴾؛ أي: يؤخر موتكم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: إلى وقت معين عند الله تعالى؛ أي: إلى وقت سماه الله وجعله منتهى أعماركم إن أنتم آمنتم به، وإلا عاجلكم بالهلاك وعذاب الاستئصال جزاء كفرانكم بدعوة الرسل إلى التوحيد، وإخلاص العبادة للواحد القهار.
ثم حكى الله سبحانه رد الأمم على مقالة الرسل، وهو يتضمن ثلاثة أشياء:
١ - ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الأمم مجيبين للرسل ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾؛ أي: ما أنتم
(٢) المراغي.