في الصورة والهيئات ﴿إِلَّا بَشَرٌ﴾ آدميون ﴿مِثْلُنَا﴾ تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب، فلا فضل لكم علينا، فلم خصصتم بالنبوة وأطلعكم الله على الغيب، وجعلكم مخالطين لزمرة الملائكة دوننا إلى أنه لو كان الأمر كما تدعون.. لوجب أن تخالفونا في الحاجة إلى الأكل والثرب وقربان النساء وما شاكل ذلك، ولو شاء الله أن يرسل إلى البشر رسلًا.. لأرسل من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم من حيث عدم التدنس بالشهوات وما يتبعها.
٢ - ﴿تُرِيدُونَ﴾ أيها المدعون بالرسالة ﴿أَنْ تَصُدُّونَا﴾؛ أي: أن تصرفونا بتخصيص العبادة باللهِ ﴿عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾؛ أي: عن عباد ما استمر آباؤنا على عبادته؛ وهو الأصنام من غير شيء يوجبه لا حجة لكم على ما تدعون، وليس من حصافة العقل أن تترك أمرًا قبل أن يقوم الدليل على خطئه. وقرأ طلحة شاذًا (١): ﴿أَنْ تَصُدُّونَا﴾ بتشديد النون جعل أن هي المخففة من الثقيلة، وقدر فصلا بينها وبين الفعل، وكان الأصل أنه تصدوننا، فأدغم نون الرفع في الضمير، والأولى أن تكون أن الثنائية التي تنصب المضارع، ولكنه هنا لم يعملها، بل ألغاها كما ألغاها من قرأ شذوذًا أيضًا: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ برفع ﴿يتم﴾ حملًا على ﴿ما﴾ المصدرية أختها.
﴿فَأْتُونَا﴾ أي: إن لم يكن (٢) الأمر كما قلنا، بل كنتم رسلًا من جهة الله كما تدعونه فأتونا ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: ببرهان ظاهر وحجة واضحة تدل على صدقكم وفضلكم، واستحقاقكم لتلك الرتبة حتى نترك ما لم نزل نعبده أبًا عن جد، كأنهم لم يعتبروا ما جاءت به رسلهم من الحجج والبينات، واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتًا ولجاجًا.
فكأنهم قالوا: أما ذكر السماوات والأرض وعجائبهما (٣)، فلسنا نحفل بهما، والعجائب الأرضية والسماوية لا نعقلها، والبشر لا يخضعون إلا لمن يأتي

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon