الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب.. ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين: إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله تعالى إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون في ديارهم، وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانًا من العذاب لا قبل لهم بها.
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) ما سيلاقيه الكافرون في هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها.. بين هنا أن ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلًا ولا قطميرًا، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح في يوم عاصفٍ، فذهبت به في كل ناحية، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئًا، ثم بين أن ذلك اليوم آتٍ لا ريب فيه، فإن من أنشأ السموات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق سواهم، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.
قوله تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما يلقاه الأشقياء في ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت في الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئًا.. ذكر هنا محاورةً بين الأتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث في ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس، وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ في بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ...﴾ الآية، مناسبة (٢) هذه الآية

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon