لما قبلها: أنه لما ذكر محاورة الأتباع لرؤسائهم الكفرة.. ذكر محاورة الشيطان وأتباعه من الأنس، وذلك لاشتراك الرؤساء والشياطين في التلبس بالإضلال.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لما (١) بين الله سبحانه وتعالى حال الأشقياء ومآل أمرهم، وما يلاقونه من الشدائد والأهوال في نار جهنم التي لا يجدون عنها محيصًا، وذكر أحوال السعداء وما ينالون من الفوز عند ربهم.. ضرب لذلك مثلًا يبين حال الفريقين، ويوضح الفرق بين الفئتين، وبه ألبس المعنويات لباس الحسيات؛ ليكون أوقع في النفس وأتم لدى العقل، والأمثال عند العرب هي المهيع المسلوك والطريق المتبع لإيضاح المعاني إذا أريد تثبيتها لدى السامعين، والقرآن الكريم مليء بها، والسنة النبوية جرت على منهاجه، فكثيرًا ما تتبع المسائل الهامة بضرب الأمثال لها؛ لتستقر في النفوس وتنقش في الصدور.
التفسير وأوجه القراءة
١٣ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: الغالون في الكفر ﴿لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾؛ أي: من مدينتنا وديارنا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ عاد هنا بمعنى (٢): صار، والظرف خبره؛ أي: لتصيرن داخلين في ملتنا، فإن الرسل لم يكونوا في ملتهم قط إلا أنهم لما لم يظهروا المخالفة لهم قبل الاصطفاء.. اعتقدوا أنهم على ملتهم، فقالوا ما قالوا على سبيل التوهم، أو بمعنى رجع، والظرف صلة، والخطاب لكل رسول ومن آمن به، فغلَّبوا في الخطاب الجماعة على الواحد؛ أي: لتدخُلن في ديننا وترجعن إلى ملتنا.
وفي "الخازن": فإن قلت: هذا (٣) يوهم بظاهره أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودوا فيها؟
قلت: معاذ الله، ولكن العود هنا بمعنى الصيرورة، وهو كثير في كلام

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon