العرب، وفيه وجه آخر: وهو أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل الرسالة لم يظهروا خلاف أممهم، فلما أرسلوا إليهم أظهروا مخالفتهم ودعوهم إلى الله، فقالوا لهم: لتعودن في ملتنا ظنًّا منهم أنهم كانوا على ملتهم، ثم خالفوهم، وإجماع الأمة على أن الرسل من أول الأمر إنما نشَؤُوا على التوحيد لا يعرفون غيره.
وهذا كله تسلية للنبي - ﷺ -؛ ليصبر على أذى المشركين كما صبر من قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام. والمعنى: أي (١): وقال الذين كفروا باللهِ لرسلهم حين دعوهم إلى توحيده تعالى وترك عبادة الأصنام والأوثان: لنخرجنكم من بلادنا مطرودين منها إلا أن تعودوا في ديننا الذي نحن عليه من الآية، كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا﴾.. الآية، وكما قال قوم لوط: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾.. الآية. وقال إخبارًا عن مشركي قريش: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وخلاصة هذا: ليكونن أحد الأمرين لا محالة: إما إخراجكم، وإما صيرورتكم في ملتنا ملة الآباء والأجداد، وهي عبادة الآلهة والأوثان، وقد مكن لهم في ذلك أنهم كانوا كثرة، وكان أهل الحق قلة كما جرت بذلك العادة في كل زمان ومكان، فإن الظلمة يكونون متعاونين متعاضدين، ومن ثم استطاعوا أن يبرموا هذا الحكم بلا هوادة ولا رفق، كما هو شأن المعتز بقوته الذي لا يخشى اعتراضًا ولا خلافًا.
والأنبياء صلوات الله عليهم لم يكونوا في ملتهم، ولم يعبدوا الأصنام طيلة حياتهم، لكنهم لما نشؤوا بين ظهرانيم، وكانوا من أهل تلك البلاد، ولم يظهروا في أول أمرهم مخالفة لهم.. ظنوا أنم كانوا على دينهم، أو يكنون (٢) المعنى في عودهم إلى ملتهم: سكوتهم عنهم وكونهم أغفالًا عنهم لا يطالبونهم بالإيمان باللهِ وما جاءت به الرسل.

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon