ولما تمادت الأمم في الكفر وتوعدوا الرسل بأخذهم بالشدة والإيقاع بهم.. أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم، ووعدهم بالنصر والغلب على أعدائهم، كما أشار إلى ذلك بقوله: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: إلى الرسل ﴿رَبُّهُمْ﴾؛ أي: مالك أمرهم عند تناهي كفر الكفرة بحيث انقطع الرَّجاء عن إيمانهم، وقال: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: المشركين، فإن الشرك لظلم عظيم فلا تخافوهم ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: أرض الظالمين وديارهم ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾؛ أي: من (١) بعد إهلاكهم عقوبة لهم على قولهم: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾، وفي الحديث: "من آذى جاره ورثه الله داره". وقرأ أبو حيوه (٢): ﴿ليهلكن الظالمين وليسكننكم﴾ بياء الغيبة اعتبارًا بقوله: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ إذ لفظ لفظ الغائب،
١٤ - وجاء في قوله: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ﴾ بضمير الخطاب تشريفًا لهم بالخطاب، ولم يأت بضمير الغيبة كما في قوله: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ ولما أقسموا بهم على إخراج الرسل، والعودة في ملتهم.. أقسم تعالى على إهلاكهم، وأيُّ إخراج أعظم من الإهلاك بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبدًا، وأقسم أيضًا على إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل.
والمعنى (٣): أي فأوحى الله تعالى إلى رسله قائلًا لهم: لنهلكن من تناهى في الظلم من المشركين، ولنسكننكم أرضهم وديارهم بعد إهلاكهم عقوبةً لهم على قولهم: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾. وفي ذلك وعيد وتهديد للمشركين من قريش على كفرهم وجراءتهم على نبيه، وتثبيت وأمر له بالصبر على ما يلقى من المكروه، كما صبر من كان قبله من الرسل، وبيان بأن عاقبة من كفر به الهلاك، وعاقبته النصر عليهم، كما قال: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾، وقال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)﴾، وقال: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
﴿ذَلِكَ﴾ الإسكان ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾؛ أي (٤): خاف مقامي بين يدي يوم
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) الخازن.