أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء، وجرعة غيظ يتجرعها العبد بحلم وعفو.
﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾؛ أي: أعرض عنهم ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾؛ أي: يا حزني عليه، والأسف أشد الحزن على ما فات، ومنه قول كثير:
فَيَا أَسَفًا لِلْقَلْبِ كَيْفَ انْصِرَافُهُ | وَلِلنَّفْس لَما سُلِّيَتْ فَتَسَلَّتِ |
﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾؛ أي: مملوء غيظًا على أولاده ممسك له في قلبه لا يبثه لأحد، فهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل: الكظيم بمعنى الكاظم؛ أي: المشتمل على حزنه الممسك له، ومنه قوله:
فَإِنْ أكُ كَاظِمًا لِمُصَابِ نَاسٍ | فَإنِّيْ اليَوْمَ مُنْطَلِقٌ لِسَانِي |
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ وفي قوله: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾؛ لأن المراد منه أصحاب الإبل ونحوها، والعلاقة فيه المجاورة كما في "السمين".
ومنها: التعريض في قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ لما فيه من التعريض إلى