ذاك، أو آيات من اللوح المحفوظ، ﴿و﴾ آيات من ﴿قرآن﴾ عظيم الشأن ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: مظهرٍ للحق من الباطل، والرشد من الغيّ، والحلال من الحرام، فهو من أبان المتعدِّي، ويمكن أن يجعل من اللازم؛ أي: الظاهر أمره في الإعجاز، أو الواضحة معانيه للمتدبرين، أو البين للذين أنزل عليهم؛ لأنه بلغتهم وأساليبهم. وعطف القرآن على الكتاب من عطف إحدى الصفتين على الأخرى؛ لأن المقصود منهما واحد؛ أي: هذه السورة آيات من الكلام الجامع بين صفتي الكتابية والقرآنية، ذكره في "روح البيان". وتنكير القرآن للتفخيم كتعريف الكتاب.
٢ - ﴿رُبَمَا﴾ رب ها هنا للتكثير، كما في "مغني اللبيب"؛ أي: كثيرًا، ﴿يَوَدُّ﴾ ويتمنى في الآخرة ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقرآن وبكونه من عند الله تعالى ﴿لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾؛ أي: كونهم مسلمين في الدنيا، مستسلمين لأحكام الله تعالى وأوامره ونواهيه.
وإنما دخلت (١) رب هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلا على الماضي؛ لأن المترقب في أخباره تعالى كالواقع المتحقق، فكأنه قيل: ربما ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين؛ أي: منقادين لحكمه، مذعنين له من جملة أهله، وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة، والمراد: أنه لما انكشف لهم الأمر، واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر، وأن الدين عند الله سبحانه هو الإِسلام، لا دين غيره.. حصلت منهم هذه الودادة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي لمجرد التحسر والتندم، ولوم النفس على ما فرطت في جنب الله تعالى. وقيل: كانت هذه الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين. وقيل: عند خروج عصاة الموحدين من النار. والظاهر: أن هذه الودادة كائنة منهم في كل وقت، مستمرة في كل لحظة بعد انكشاف الأمر لهم.
وبالجملة: فهذا إخبار (٢) من الله سبحانه عن الكفار بأنهم سيندمون في الآخرة على ما كانوا عليه من الكفر، ويتمنون أن لو كانوا في الدنيا مسلمين.
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إذا اجتمع

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon