وقيل يبين عن نفسه ما يخاصم به عن الباطل، الآية تدل: (١) على وصف الإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل والتمادي في كفران النعمة، قالوا: خلق الله تعالى جوهر الإنسان من تراب أولًا ثم من نطفة ثانيًا، وهم ما ازدادوا إلا تكبرًا، وما لهم والكبر بعد أن خلقوا من نطفة قذرة؟!
والمعنى: أي (٢) خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من نطفة؛ أي: من ماء مهين خلقًا عجيبًا في أطوار مختلفة، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه، ونفخ فيه الروح، فغذاه ونماه ورزقه القوت، حتى إذا استقل ودرج نسي الذي خلقه خلقًا سويًّا من ماء مهين، بل خاصمه فقال: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ وعبد ما لا يضر ولا ينفع ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)﴾ وكان حقه والواجب عليه أن يطيع وينقاد لأمر الله، وأكثر ما ذكر الإنسان في القرآن في معرض الذم، أو مردفًا بالذم، ذكره أبو حيان في "البحر".
٥ - ولمَّا ذكر (٣) الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان.. ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته، ولمَّا كان أعظم ضرورات الإنسان الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان.. بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك، وهو الأنعام فقال: ﴿وَالْأَنْعَامَ﴾؛ أي: الإبل والبقر والغنم والمعز، جمع نعم، وهي الأجناس الأربعة، المسماة بالأزواج الثمانية، اعتبارًا للذكر والأنثى، فالخيل والبغال والحمير خارجة من الأنعام، وانتصابها بفعل مضمر يفسره قوله: ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾؛ أي: خلق الله سبحانه وتعالى الأنعام المذكورة لمنافعكم ومصالحكم يا بني آدم، وكذا سائر المخلوقات، فإنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم لا لها، يدل عليه قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ وقوله: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ وأمَّا الإنسان فقد خلق له تعالى كما قال: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ وقرىء: ﴿الأنعامُ﴾ بالرفع شاذًّا، كما ذكره

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon