أبو البقاء، حالة كون تلك الأنعام ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾؛ أي: ما يتدفأ به من البرودة ويستحسن من اللباس المتخذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ﴿و﴾ حالة كونها فيها ﴿منافع﴾ أخرى غير الدفء، من نسلها ودرها وركوبها، والحراثة بها وثمنها وأجرتها ﴿و﴾ حالة كونها ﴿منها﴾؛ أي: من لحومها وشحومها وأكبادها وكروشها وغير ذلك أصالةً، وغالبًا ﴿تَأْكُلُونَ﴾ يا بني آدم (١)، بخلاف القُبل والدبر والذَّكر والخصيتين والمرارة والمثانة ونخاع الصلب والعظم والدم فإنها حرام، وتقديم الظرف لرعاية الفاصلة، أو لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها من الطيور وصيد البر والبحر.. فعلى وجه التداوي، أو التفكه والتلذذ، فيكون القصر إضافيًّا بالنسبة إلى سائر الحيوانات، حتى لا ينتقض بمثل خبز ونحوه من المأكولات المعتادة.
وقرأ الزهري وأبو جعفر (٢): ﴿دِفْءٌ﴾ بضم الفاء وشدِّها وتنوينها، ووجهه أنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء ثم حذفها ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف، إذ يجوز تشديدها في الوقف، وقرأ زيد بن عليّ ﴿دفٌ﴾ بنقل الحركة وحذف الهمزة دون تشديد الفاء، وقال صاحب "اللوامح" قرأ ﴿دفٌ﴾ بضم الفاء من غير همزٍ، والفاء محركة بحركة الهمزة المحذوفة، ومنهم من يعوض من هذه الهمزة فيشدد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفًا.
وخص منفعة (٣) الأكل بالذِّكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها، وقيل: خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها، بخلاف غيره من المنافع التي فيها، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل، وغيره نادر،
٦ - ﴿وَلَكُمْ فِيهَا﴾؛ أي: في هذه الأنعام مع ما فُصِّل من أنواع المنافع ﴿جَمَالٌ﴾؛ أي: زينةٌ في أعين الناظرين إليها ووجاهة عندهم ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾؛ أي: حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى منازلها، التي تأوي إليها ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾؛ أي: وحين تخرجونها من مراحها إلى مسارحها بالغداة،
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.