له - ﷺ - من الحمر اثنان: يعفور وعفير، والعفرة الغبرة، والحمار من أذل خلق الله تعالى كما قال الشاعر:

وَلاَ يُقِيْمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ إلا الأذَلَّانِ عِيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ
هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَرْبُوْطٌ بِرُمَّتِهِ وَذَا يُشَجُّ فَلاَ يَرْثِى لَهُ أَحَدُ
ثم علل (١) سبحانه وتعالى خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ وهذه العلة هي باعتبار معظم منافعها؛ لأن الانتفاع بها في غير الركوب معلوم، كالتحميل عليها، وعطف ﴿زينة﴾ على محل ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ لأنه في محل نصب على أنه علةٌ لخلقها، ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ لأن الركوب فعل المخاطبين، والزينة فعل الزائن، وهو الخالق، والتحقيق فيه أن الركوب هو المعتبر المقصود، بخلاف الزينة فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية؛ لأنه يورث العجب، فكأنه سبحانه قال: خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر، ولكنه غير مقصود بالذات.

فصلٌ في ذكر الاختلاف في لحوم الخيل


وقد استدل (٢) بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل، قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقةٌ لهذه المصلحة دون غيرها، قالوا: ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن الأنعام، فيفيد ذلك اتحاد حكمها في تحريم الأكل، قالوا: ولو كان أكل الخيل جائزًا.. لكان ذكره والامتنان به أولى من ذكر الركوب؛ لأنه أعظم فائدة منه، وقد ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، والأوزاعي ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم، وذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين وغيرهم إلى حل لحوم الخيل، ولا حجة لأهل القول الأول في التعليل بقوله: ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾؛ لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافي غيره،
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon