ولا نسلم أن الأكل أكثر فائدة من الركوب حتى يذكر، ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب، وأيضًا لو كانت هذه الآية تدل على تحريم الخيل.. لدلت على تحريم الحمر الأهلية، وحينئذٍ لا يكون ثم حاجة لتجديد التحريم لها عام خيبر، وقد قدمنا أن هذه السورة مكية، والحاصل أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حل أكل لحوم الخيل، فلو سلمنا أن في هذه الآية متمسكًا للقائلين بالتحريم.. لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعةً لهذا الاحتمال، ودافعة لهذا الاستدلال، واحتجوا (١) على إباحة لحوم الخيل بما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: نحرنا على عهد رسول الله - ﷺ - فرسًا فأكلناه، وفي رواية قالت: ذبحنا على عهد رسول الله - ﷺ - فرسًا ونحن في المدينة فأكلناه، أخرجه البخاري ومسلم، وبما روي عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل، وفي رواية قال: أكلنا زمن خيبر لحوم الخيل وحمر الوحش، ونهى النبي - ﷺ - عن الحمار الأهلي، متفق عليه، وهذه رواية البخاري ومسلم، وفي رواية أبي داود قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، وكنا قد أصابتنا مخمصة، فنهانا رسول الله - ﷺ - عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.
وقال البغوي (٢): ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها: تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنَّة مبنية للكتاب، ولما كان نص الآية يقتضي أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة وكان الأكل مسكوتًا عنه.. دار الأمر فيه على الإباحة والتحريم، فوردت السنة بإباحة لحوم الخيل، وتحريم لحوم البغال والحمير فأخذنا بها جمعًا بين النصين، والله أعلم.
﴿وَيَخْلُقُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أيها العباد؛ أي: ما لا يحيط علمكم به من المخلوقات، غير ما عدده هنا من أنواع الحشرات والهوام في
(٢) الخازن.