أسافل الأرض، وفي البحر مما لم يره البشر، ولم يسمعوا به، مما يهدي إليه العلم، وتستنبطه العقول، كالقطر البرية والبحرية، والطائرات التي تحمل أمتعتكم وتركبونها من بلد إلى بلد آخر، ومن قطر إلى قطر، والمطاود الهوائية التي تسير في الجو، والغواصات التي تجري تحت الماء، إلى نحو أولئك مما تعجبون منه، ويقوم مقام الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة.
والتعبير (١) هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة بالنسبة إلى ما ظهر؛ لأنه تعالى قد خلق ما لا يعلم به العباد،
٩ - وبعد أن شرح سبحانه دلائل وحدانيته، أرشد إلى أنه كفيل ببيان الطريق السوي لمن أراده، فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾؛ أي: وعلى الله سبحانه وتعالى بموجب رحمته وبمقتضى وعده المحتوم، لا واجب عليه إذ لا يجب عليه شيءٌ، بيان قصد المسبيل؛ أي: بيان الطريق المستقيم، الموصل من سلكه إلى الحق والتوحيد بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهم السلام، وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ونحو الآية قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾، وقوله: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾.
والقصد (٢): مصدر بمعنى اسم الفاعل، يقال: سبيل قصد وقاصد؛ أي: مستقيم، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: إلى سبيل القصد؛ أي: المستوي المستقيم، أو المعنى: وعلى الله قاصد السبيل؛ أي: هداية قاصد الطريق المستقيم، بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع.
﴿وَمِنْهَا﴾؛ أي: من السبل سبيل ﴿جَائِرٌ﴾؛ أي: طريق مائلٌ عن الاستقامة، معوج زائغ عن الحق، فالسبيل القاصد هو الإِسلام، والجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى، سماويةً كانت كاليهودية والنصرانية، أو أرضية كالوثنية والمجوسية.
(٢) روح البيان.