قلت: ليعلم بما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان كما تزعم المجبرة.. لقيل: وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها، أو عليه الجائر، وقرأ عبد الله: ﴿ومنكم جائر﴾ عن القصد بسوء اختياره، والله بريء منه.
١٠ - وبعد أن ذكر سبحانه نعمته عليهم بتسخير الدواب والأنعام، شرع بذكر نعمته عليهم في إنزال المطر فقال: ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي أَنْزَلَ﴾ بقدرته القاهرة ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ إلى السحاب ومنه إلى الأرض ﴿مَاءً﴾ عذبًا؛ أي: نوعًا منه وهو المطر، وفي "بحر العلوم": تنكيره للتبعيض؛ أي: بعض الماء، فإنه لم ينزل من السماء الماء كله ﴿لَكُمْ﴾ أيها الآدميون ولكلِّ حيٍّ ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من ذلك الماء المنزل ﴿شَرَابٌ﴾؛ أي: ما تشربونه، والظرف (١) الأول وهو لكم خبرٌ مقدم لشرابٌ، والثاني حال منه، ومن تبعيضية، قال الخطيب: وإن قيل: ظاهر هذا أن شرابنا ليس إلا من المطر.. أجيب بأنه تعالى لم ينف أن نشرب من غيره، وبتقدير الحصر لا يمتنع أن يكون الماء العذب الذي تحت الأرض من جملة ماء المطر أسكن هناك، بدليل قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿وَمِنْهُ﴾؛ أي: ومن ذلك المنزل ﴿شَجَرٌ﴾ فـ ﴿من﴾ ابتدائية؛ أي: ومنه وبسببه يحصل شجر ترعاه المواشي، والمراد به: ما ينبت من الأرض سواء كان له ساق أو لا ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في ذلك الشجر ﴿تُسِيمُونَ﴾؛ أي: ترعون مواشيكم، قدم الشجر على الزرع وعلى ما بعده لحصوله بغير صنع من البشر.
وقرأ زيد بن علي (٢): ﴿تُسِيمُونَ﴾ بفتح التاء، فإن سمع متعديًا.. كان هو وأسام بمعنى واحد، وإن كان لازمًا.. فتأويله على حذف مضاف تسيمون؛ أي: تسيم مواشيكم لما ذكر.
والمعنى (٣): أي إن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.