"المقاصد الحسنة"، ﴿و﴾ ينبت لكم ﴿الأعناب﴾ جمع عنب، وإنما جمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة، وفيه إشارة: إلى أن تسمية العنب كرمًا لم يكن بوضع الواضع، ولكنه كان من الجاهلية، كأنهم قصدوا به الاشتقاق من الكرم؛ لكون الخمر المتخذة تحثُّ على الكرم والسخاء، فنهى النبي - ﷺ - عن أن يسموه بالاسم الذي وضعه الجاهلية، وأمرهم بالتسمية اللغوية بوضع الواضع حيث قال: "لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب والحبلة" ثم بين قبح تلك الاستعارة بقوله: "إنما الكرم قلب المؤمن" يعني أن ما ظنوه من السخاء والكرم فإنما هو من قلب المؤمن لا من الخمر؛ إذ أكثر تصرفات السكران عن غلبةٍ من عقله، فلا يعتبر ذلك العطاء كرمًا ولا سخاء؛ إذ هو في تلك الحالة كصبي لا يعقل السخاء، ويؤثر بماله سرفًا وتبذيرًا، فكما لا يُحمل ذلك على الكرم، فكذا إعطاء السكران، كذا في "أبكار الأفكار".
وخصص هذه الأنواع الأربعة بالذكر للإشعار بفضلها وشرفها، وفي "البحر": وخص (١) الأربعة بالذكر؛ لأنها أشرف ما ينبت، وأجمعه للمنافع، وبدأ بالزرع لأنه قوت أكثر العالم، ثم بالزيتون لما فيه من فائدة الاستصباح بدهنه، وهي ضرورية مع منفعة أكله، والائتدام به، وبدهنه والإطلاء بدهنه، ثم بالنخل لأن ثمرته من أطيب الفواكه، وقوت في بعض البلاد، ثم بالأعناب لأنها فاكهة محضة.
ثم عمَّم فقال (٢): ﴿و﴾ ينبت لكم ﴿من كل الثمرات﴾؛ أي: بعض كلها، وأتى بلفظ ﴿من﴾ التي للتبعيض؛ لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أُنبت في الأرض بعضٌ من كلها للتذكرة.
ويحتمل كون المراد ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ التي يحتملها هذه النشأة الدنيوية، وترى بها، وهي الثمرات المتعارفة عند الناس بأنواعها وأصنافها، فتكون كلمة ﴿مِنْ﴾ صلة كما في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ على رأي الكوفية وهو
(٢) روح البيان.