عُيُوْنٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ عَلَى أَهْدَابِهَا ذَهَبٌ لسَبِيْكُ
عَلَى قَضْبِ الزَبَرَّجَدِ شَاهِدَاتٌ بِأنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيْكُ
١٢ - ﴿وَسَخَّرَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَكُمُ﴾؛ أي: لمنامكم ومعاشكم، ولعقد الثمار وإنضاجها ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ يتعاقبان خلفةً، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ قال (١) بعضهم: الليل ذكر كآدم، والنهار أنثى كحواء، والليل من الجنة، والنهار من النار، ومن ثمة كان الأنس بالليل أكثر، ﴿و﴾ سخر لكم ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ تسخرًا في سيرهما وإنارتهما أصالة وخلافة، وإصلاحهما لما نيط بهما صلاحه، كل ذلك لمصالحكم ومنافعكم، وليس المراد بتسخير هذه لهم تمكنهم من تصريفها كيف شاؤوا، كما في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾ ونظائره، بل هو تصريفه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافعهم ومصالحهم، لا أن ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب إرادتهم.
﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ﴾ مبتدأ وخبر؛ أي: سائر النجوم في حركاتها وأوضاعها من التثليث والتربيع ونحوها مسخرات؛ أي: مذللات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء، أو لما خلقت له ﴿بِأَمْرِهِ﴾؛ أي: بإرادته ومشيئته، وحيث لم يكن عود منافع النجوم إليهم في الظهور بمثابة ما قبلها من الملوين والقمرين، لم ينسب تسخيرها إليهم بأداة الاختصاص، بل ذكر على وجه يفيد كونها تحت ملكوته تعالى، من غير دلالة على شيء آخر، ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث، إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار.
والمعنى (٢): أي ومن نعمه تعالى عليكم مضافةً إلى النعم التي سلف ذكرها أن سخر لكم الليل والنهار، يتعاقبان خلفةً، لمنامكم واستراحتكم وتصرفكم في معايشكم وسعيكم في مصالحكم، وسخر لكم الشمس والقمر يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالةً وخلافة، وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزرع وإنضاج الثمرات وتلوينها، إلى نحو ذلك من الآثار والمنافع التي ربطها سبحانه
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon