بوجودهما، وبهما يعرف عدد السنين والشهور، وفي ذلك صلاح معايشكم، وسخر لكم النجوم بأمره وإرادته، تجري في أفلاكها بحركة مقدرة لا تزيد ولا تنقص، لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ التسخير المتعلق بما ذكر مجملًا ومفصلًا ﴿لَآيَاتٍ﴾ باهرة ودلالات واضحة متكاثرة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ حجج الله، ويفتحون عقولهم للنظر والاستدلال، ويفهمون ما نبههم إليه بها، ويعتبرون، وعبر هنا (١) بالعقل، وفي خاتمة الآية السابقة بالتفكر، من قبل أن الآثار العلوية متعددة، ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية ظاهرة لا تحتاج إلا إلى العقل من غير تفكر ولا تأمل، بل تدرك بالبديهة، بخلاف الآثار السفلية من الزرع والنخيل والأعناب فهي تحتاج في دلالتها على وجود الصانع إلى فكر وتدبر ونظر شديد، وجمع الآيات هنا ليطابق قوله: ﴿مُسَخَّرَاتٌ﴾، وفي "البحر": وجمع (٢) الآيات هنا، وذكر العقل وأفرد فيما قبل، وذكر التفكر؛ لأن فيما قبل استدلالًا بإنبات الماء، وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، والاستدلال هنا متعدد، ولأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، وقد ذكر لفظ الآية في هذه السورة سبع مرات، خمس بالإفراد، واثنتان بالجمع، قال الكرماني: ما جاء بلفظ الإفراد فلوحدة المدلول، وهو الله تعالى، وما جاء منها بلفظ الجمع فلمناسبة مسخرات اهـ.
والأوَلَى أن يقال: إن هذه المواضع الثلاثة التي أفرد الآية في بعضها وجمعها في بعضها، كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار، وللأفراد باعتبار، فلم يجرها على طريقة واحدة افتنانًا وتنبيهًا على جواز الأمرين، وحسن كل واحد منهما.
فائدة: قال أهل العلم (٣): العقل جوهر مضيء، خلقه الله في الدماغ،

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon